للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شروط صيغة الإجارة:

١-تَنَجُّز الإجارة (عدم التعليق أو الإضافة) :

الأصل في الإجارة أن تكون منجزة وأنه لا خلاف بين الفقهاء في أن الإجارة لا تصح مع التعليق على مستقبل مجهول، مثل أن يقول: إن جاء فلان فقد أجرتك بيتي، أو إن حصلت على كذا فقد أجرتك بيتي، أو نحو ذلك.

أما إذا كان التعليق من قبيل تعليق الحط من الأجر على عمل معين فلا يضر عند الكثير من الفقهاء، مثل أن يقول لخياط: إن خطت هذا الثوب اليوم فأجرتك درهم، أو غداً فنصف درهم فهذا جائز عندهم (١) .

وأما إضافة العقد إلى المستقبل فيختلف من إجارة واردة على العين إلى إجارة واردة على الذمة، فالإجارة الواردة على العين يجوز إضافتها إلى المستقبل بأن يقول: أجرتك هذه الدار في بداية الشهر القادم، فهذا جائز عند جماهير الفقهاء خلافاً للشافعية إلا إذا كانت يسيرة جداً كأن تعقد الإجارة ليلاً لمنفعة النهار التالي فيجوز، أو كانت مستأجرة ممن هي في إجارته، على أحد القولين (٢) .

وأما الإجارة الواردة على الذمة فيجوز إضافتها إلى المستقبل حتى عند الشافعية.

جاء في روضة الطالبين: "أما إجارة العين فلا يصح إيرادها على المستقبل كإجارة الدار السنة المستقبلة، والشهر الآتي، وكذا إذا قال: أجرتك سنة أولها من غد، ولو قال: أجرتك سنة، فإذا انقضت أجرتك سنة أخرى فالعقد الثاني باطل على الصحيح كما لو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد أجرتك شهراً.

وأما الواردة على الذمة فيحتمل فيها التأجيل والتأخير كما إذا قال: ألزمت ذمتك حملي إلى موضع كذا على دابة صفتها كذا غداً أو غرة شهر كذا ... وإن أطلق كانت حالة" (٣) .

وهذه التفرقة من الشافعية ليس لها ما يبررها، لأن إجارة الذمة أيضاً واردة على العين أي على منفعتها، فكلتا الإجارتين واردة على المنفعة.

وجاء في المغني: "ولا يشترط في مدة الإجارة أن تلي العقد، بل لو أجره سنة خمس وهما في سنة ثلاث، أو شهر رجب في المحرم صح" (٤) .

ومنتهى دليل الشافعية القياس على البيع، وهو منقوض بجواز التأجيل في الإجارة الواردة على الذمة، كما أنه قياس مع الفارق حيث إن البيع نقل للملكية بالكامل في حين أن الإجارة لا تؤدي إلى ذلك بل تبقى الرقبة ملكاً للمؤجر فلا تقاس عليه.

واستدل الجمهور بقوله تعالى في قصة استئجار موسى عليه السلام:

{عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] ، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ، ولأن هذه مدة يجوز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها مفردة مع عموم الناس، كالتي تلي العقد، وإنما يشترط القدرة على التسليم عند وجوب التسليم كالمسلم فيه (٥) .

وذلك لأن طبيعة عقد الإجارة تختلف عن البيع من حيث الآثار –كما ذكرنا- حيث هي مرتبة بزمن محدد، لذلك لا تتعارض مع تأخير بدء الاستيفاء عن إجراء العقد.


(١) الكافي: ٢/٢٩٢؛ ومطالب أولي النهي: ٣/٧٧؛ ونهاية المحتاج: ٥/٢٥٩؛ وبدائع الصنائع: ٥/٢٥٨٦.
(٢) الروضة: ٥/١٨٢؛ وحاشية القليوبي وعميرة على شرح المحلى: ٣/٧١، حيث جاء فيه: "ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة إلى مكة أول شهر كذا، ولا تجوز إجارة عين لمنفعة مستقبلة، فلو أجر الثانية لمستأجر الأولى قبل انقضائها جاز في الأصح".
(٣) الروضة: ٥/١٨٢.
(٤) المغني لابن قدامة: ٥/٤٣٦؛ والفتاوى الهندية: ٤/٤١٠؛ والشرح الصغير: ٤/٣٠.
(٥) المغني لابن قدامة: ٥/٤٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>