من المقرر في علم مصطلح الحديث، أن العبرة في قبول أو رد الرواية هو توافر المعايير الدقيقة التي قام عليها هذا العلم، ولا اعتبار فيها لمذهب الراوي أو انتمائه إلى فرقة من الفرق، ما دام قد تحقق فيه عنصر العدالة والضبط فكان ثقة في مروياته.
وقد واجه علماء هذا الفن قضية الاختلاف في المقولات الإسلامية بتجرد وموضوعية، دون التوغل في مضمونها ما دام صاحبها يصدق عليه اسم المسلم، وكان الوصف - وهو أمر نسبي - هو البدعة. فالمبتدع (في نظر المحدث الراوي للسنة لها) لا تمتنع الرواية عنه إذا كان ثقة في الرواية، باستثناء ما لو كان داعية إلى بدعة (والمراد بالداعية هنا من يدعو فعلًا للبدعة مباشرة، فلا يشمل ذلك من يسيء بالموالاة لمبتدع أو بمدحه، كما وقع لعمران بن حطان) أو إذا روى ما يتعلق ببدعته.
ولهذا ضمت كتب السنة المشهورة العديد من روايات من وُصفوا بأنواع من البدع لمقولات إسلامية تشبثوا بها مخالفين غيرهم، كما شملت كتب الرجال الرواة من جميع الفرق الإسلامية والمذاهب، واتصف نقدهم توثيقًا أو تضعيفًا بالموضوعية التامة، من خلال عنصري العدالة والضبط، بالإضافة إلى ما يتعلق بشرط اتصال الرواية لاستبعاد التدليس والانقطاع، وكذلك الشذوذ أو العلة القادحة.
والملحوظ أن التآليف في كتب مصطلح الحديث، وكتب الرجال لم يقع تصنيفها بمنظور مذهبي، وإنما جمعت الاتجاهات المختلفة، ونحا تصنيفها مناحي فنية بحسب العصور، أو خدمة بعض المصنفات الحديثية، ولم تنشأ الكتابات المراعية للمذاهب إلا في عصور متأخرة، بعدما استقر أمر الرواية وتدوينها.
ومع هذا أثيرت بعض الشبهات في هذا، ولابد من مناقشتها لتمحيص ما فيها، ومن ذلك ما أشار إليه الشيخ عبد الحسين شرف الدين في معرض كلامه عن سبب التباعد بين الطائفتين (السنة والشيعة) ، من عدم احتجاج البخاري في صحيحه بأئمة أهل البيت النبوي، إذ لم يروِ شيئًا عن: الصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والزكي العسكري - وكان معاصرًا له - ولا روى عن الحسن بن الحسن (الإمام بعد الحسين السبط، على رأي الزيدية، وبعده زيد ... ) ، ولا عن زيد بن علي بن الحسين، ولا عن يحيى بن زيد، ولا عن النفس الزكية، ولا عن ... (وأورد جملة من سلالة آل البيت دون من سبق في الشهرة الذين اقتصرت على نقلهم لمجرد التمثيل ... ) ، ثم قال: ولا عن غيرهم من أعلام العترة الطاهرة، وأغصان الشجرة الزاهرة ... حتى إنه لم يروِ شيئًا من حديث سبطه الأكبر الحسن، مع احتجاجه بداعية الخوارج، وأشدهم عداوة لأهل البيت عمران بن حطان ... (١) .
(١) الفصول المهمة في تأليف الأمة، عبد الحسين شرف الدين، ص١٥٥ - ١٥٦، ط. النعمان، النجف: ١٣٨٧ - ١٩٦٧.