للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الكلام ممن يورد اسمه بين الدعاة إلى وحدة الأمة في غاية الغرابة، وذلك لسعة علمه وإحاطته بمصادر السنة والشيعة، فإن السبب في هذا أمر موضوعي بحت، وهو أن الرواية في كتاب من كتب السنة الصحيحة لا يكفي لها التحري عن راوٍ معين من رواة سند الحديث، بل جميع رجال السند، فعدم رواية البخاري أو غيره عن علم أو أكثر من أعلام آل البيت ليس لشخصهم، بل لعدم توافر سند صحيح إليهم عند صاحب الكتاب، ولذا لم يروِ البخاري في صحيحه الذي التزم فيه شروطًا شديدة في الرواة عن عدد كبير من الصحابة روى عنهم غيره من أصحاب السنن والمسانيد لا لأشخاصهم، بل لما وقع في الأسانيد التي رويت بها الأخبار عنهم.

هذا أولًا، ثم إن منهج أي كتاب من كتب السنة قائم على اختيار بعض الأحاديث، بل اختيار بعض الروايات أيضًا، فلا يترك أحدهم منهجه ليروي ما هو أبعد سندًا أو أقل دلالة ... ثم بعدئذ لمَ لا ينظر إلى من روى لهم البخاري مثلًا من آل البيت لتوافر ما التزمه من الشروط في الرواة وطرق الرواية ووجوه الدلالة؟

وأما الرواية عن عمران بن حطان ... رغم ما صدر عنه من استحسان الفعلة القبيحة من ابن ملجم، فهي مراعى فيها مبدأ أن المبتدع الموصوف بالضبط والصدق في الرواية يقبل منه ما رواه من أخبار، شريطة أن لا يتعلق موضوعها ببدعته، وأن لا يكون داعية لتلك البدعة مباشرة ولو أساء بموالاة أصحابها.

علاقة الخلاف الفقهي بأصول الفقه:

إذا كان الفقه قد نشأ موزعًا على المذاهب، فإن علم أصول الفقه قد اشتمل منذ بدايته على جميع الاختلافات في قواعده وحججه وأدلته، دون تمييز بين مذهب وآخر، وذلك للوصول إلى طرق الاستنباط الصحيحة، وهو أمر لا يحصل إلا بالمقارنة بين جميع الاتجاهات ومناقشتها والترجيح بينها.

ومع أن الاختلاف الفقهي هو المظهر العملي لشتى أنواع الخلاف، التي منها الخلاف في أصول الفقه، فإن التطابق أو التقارب والتناسق بين المذاهب الفقهية ممكن ولو لم يتم توحيد أصول الفقه كلها، لأنها قائمة على الشمولية والحصر العقلي وتجاذب الأدلة؛ وذلك لأنه كثيرًا ما تتباين وجوه الاستدلال وتتحد المقولة أو النتيجة، وهذه الحقيقة غنية عن الإثبات لكثرة أمثلتها، وهي شبيهة بمسائل الإجماع التي تختلف مستنداتها مع الاتفاق بين المجتهدين على حكم واحد فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>