في ضوء الآثار السلبية الفادحة المترتبة على التقلبات العنيفة والخاطفة في القيم الخارجية للعملات والتي تسأل عنها بدرجة رئيسة عمليات المضاربة في سوق الصرف الأجنبي، فإن من الضروري ومن الأهمية بمكان التصدي لهذه العمليات المضاربية الاختلالية ومواجهتها بكل ما يمكن من وسائل وأساليب. وقبل أن نشير إلى بعض هذه الوسائل ننبه إلى ما يكتنف عملية المواجهة هذه من صعوبات وعقبات، ترجع في جزء منها إلى طبيعة سوق الصرف الأجنبي، ونوعية المتعاملين فيه، ومن ذلك تداخل عمليات تبادل العملات بهدف إشباع حاجات حقيقية مطلوبة وبهدف المضاربة وعدم وجود فوراق مميزة بوضوح وحسم بينهما. وكذلك ما يفرضه اليوم النظام الاقتصادي العالمي الراهن من حرية تكاد تكون مطلقة لخدمات المال والتجارة ولعمليات البورصة على المستوى الدولي، الأمر الذي يقيد كثيرًا من قدرة الدول على المناورة ضد ما قد يمارس على عملاتها من مضاربات، ومع ذلك فلا مفر من المواجهة مهما كانت تكلفتها ومهما كانت درجة فعاليتها، حيث الآثار المترتبة من الخطورة والمأساوية بما يجعلها قمينة بالقيام بالمواجهة.
ومن الطبيعي أن المواجهة الصحيحة ما اجتمع لها العنصر القبلي والعنصر البعدي، بمعنى ضرورة وجود مواجهة قبلية ومواجهة بعدية، فقبل وقوع الأزمة وقبل ممارسة التلاعب والمضاربة بالعملة، على الدولة أن تتخذ من الوسائل ما يحول بين عملتها وبين هذه الممارسات قدر طاقاتها، فهي بمثابة التحصين ضد المرض. وإذا ما وقعت الأزمة فعلى الدولة أن تهب لعلاج المرض الذي حل من خلال ما تمتلكه من وسائل، وفيما يلي نجمل القول حيال هذه الوسائل أو بالأحرى بعضها:
١ - تجنيب المجتمع الإغراءات على القيام بالمضاربات في عملته: وهذا الأسلوب هو أسلوب وقائي وعلاجي في الوقت نفسه، فعلى الدولة أن تكون على أعلى درجة من اليقظة حيال الإغراءات التي سبق تناولها، وعليها أن تمتلك أنجح وسائل الإنذار والتحذير المبكر، بحيث إذا ما ظهر إغراء من هذه الإغراءات مثل تدهور معدل النمو أو تدهور الميزان التجاري أو فساد النظام المالي أو. . . إلخ. فعليها بالمبادرة الفورية والجادة في علاجه، ومنع ظهوره وانتشاره، حتى لا توجد الفرصة أمام عمليات وألاعيب المضاربين، وعلى الدولة التي أصيبت بداء المضاربة أن تفتش جيدًا عن الإغراء، والظرف الملائم الذي جذب المضاربين وتعمل على علاجه العلاج المناسب الناجع.