للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - ضبط العمل بالبورصة: والمعروف أن المضاربين في بورصات العملة والأوراق المالية لا يقفون عند المضاربة بمفهومها الأولي البسيط (المضاربة الاستقرارية) وهو الشراء أو البيع بهدف الاستفادة من فرصة سانحة أو على وشك الحدوث، إنهم لا ينتظرون الفرصة، وإنما يصنعونها صنعًا، ثم إنهم يمارسون عملياتهم من خلال صور وأساليب عديدة كلها تستهدف حمايتهم من المخاطر من جهة، وتكبير العائد من جهة ثانية، وتدنية التكلفة من جهة ثالثة. ومن ذلك عمليات الصرف الآجل والبيع على المكشوف وبيع المستقبليات والاختيارات والتعامل على المؤشرات والشراء الجزئي أوالهامشي، والتكرار السريع لعمليات الشراء والبيع خلال فترات وجيزة، والتعامل على صفقات قد تكون بالغة الضخامة (١) .

كل ذلك يدعم من مركز المضاربين، ويدفعهم دفعًا إلى ممارسة عملياتهم وألاعيبهم. وإذا لم يكن للدولة من قدرة أو طاقة على منع قيام المضاربات في البورصات، لاسيما ما كان منها خارج حدودها فإنها تمتلك من القدرة والصلاحية ما يمكنها من منع أو تقييد هذه الأساليب التي يستند عليها المضاربون. فلها أن تحد من تكرار البيع والشراء على الشيء الواحد (٢) ، وإن كان بفرض ضرائب (٣) ، ولها أن ترفض بعض العقود.

وممن حذر بقوة من عدم ضبط العمل في البورصات – وحتى قبل وقوع هذه الأزمات الأخيرة – الاقتصادي الفرنسي الشهير (موريس آليه) حيث يقول في إحدى محاضراته (٤) :

" إن البورصات كي تكون نافعة جوهريًّا – وهذا ممكن – يجب إصلاحها بما يلي: يجب منع تمويل العمليات بخلق وسائل دفع من لاشيء بواسطة الجهاز المصرفي، ويجب زيادة هوامش المشتريات والمبيعات المؤجلة زيادة جوهرية، ويجب أن تكون هذه الهوامش نقدية، ويجب إلغاء التسعير المستمر والاكتفاء في كل ساحة مالية بتسعيرة واحدة في اليوم لكل ورقة مالية، ويجب إلغاء البرامج التلقائية للشراء والبيع، ويجب إلغاء المراهنة على الأرقام القياسية (المؤشرات) ".

إذن علينا كي نحد من عمليات المضاربة على العملة ومن آثارها بإصلاحين؛ إصلاح داخل البورصة، وإصلاح خارج البورصة.


(١) وبالفعل فإن قوانين بعض الدول تنص على ذلك حيث تحدد حدًّا أدنى من الوقت لإعادة التعامل فيما سبق، وهذا يحد كثيرًا من عمليات المضاربة، حيث يجردها من آلية تلجأ إليها.
(٢) وهناك من الاقتصاديين من نادى بفرض ضريبة على المتاجرة بالعملات مثل (بومل) و (وتوبين) ، وهي بدورها تحد كثيرًا من عمليات المضاربة في العملة، انظر فخ العولمة، ص ١٥٦؛ الاقتصاد الدولي، ص ١٨٦.
(٣) د. محمد عبد الحليم، مرجع سابق.
(٤) محاضرة ألقاها في المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب – البنك الإسلامي للتنمية، جدة، بعنوان: الشروط النقدية لاقتصاد الأسواق، من دروس الأمس إلى إصلاحات الغد، ١٤١٣هـ، ص ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>