للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويفهم من هذه المسألة أن الاحتكام إلى سلطان أهل الحرب غير ممنوع منه وأنه لو قضى برد المغصوب لكان حكمه صائبًا أما أنه قضى بإبقاء المغصوب في يد الغاصب فهو كما لو حكم قاض مسلم في دار الإسلام بذلك لا يصير الغاصب مالكًا للمغصوب بل يتعين عليه رده.

ويذكر في المسألة ٢٦٧٥ – ولو استودع مسلم مسلمًا شيئًا وأذن له إن غاب أن يخرجه معه فارتد المودع ولحق بدار الحرب، فلحقه صاحب وطلبه منه فمنعه، واختصما إلى سلطان تلك البلاد فقصر يد المسلم عنه ثم أسلم أهل الدار فالوديعة للمودع لا سبيل لصاحبها عليها.

قال في الشرح: لأنه ما كان ضامنًا لها في دار الإسلام، وحين منعها في دار الحرب كان هو حربيًّا لو استهلكها لم يضمن فكذلك إذا منعها؛ ولأنه بهذا المنع يصير في حكم الغاصب فكأنه غصبه منه ابتداء، فيتم إحرازه بقوة السلطان.

ويذكر في المسألة ٢٦٧٧ – وإن كان حين طلبه في دار الحرب من الغاصب أعطاه إياه ثم وثب فأخذ منه ثانية وقصر السلطان يد المغصوب معه عن الاسترداد ثم أسلم أهل الدار فهو سالم للغاصب.

ويظهر من هذه المسائل أن المسلم لما لم يمنع من رفع خصومته إلى السلطان الكافر في بلاد الكفر فدل على جواز ذلك، وعندي أن المسألة لها وجه آخر وهي تدخل في باب الاستعانة بالكافر على تحصيل الحق ورفع الظلم سواء في ذلك الفرد والدولة وسيأتي ذلك مفصلًا في المبحث المخصص لاحتكام المسلمين إلى المحكمة الدولية.

ويدخل في هذه مسألة ما لو حكم الزوجان المسلمان حكمين مسلمين ثم يرفعان ما انتهى إليه الحكمان إلى المحاكم الأجنبية لوضع الصيغة التنفيذية فإن ذلك من قبيل تحصيل الحقوق والاستعانة على تحصيلها وليس من قبيل فصل القضاء في أمور دينية بين المسلمين.

وقريب مما ذكرنا لو تغلب الكفار على المسلمين واضطر ولي أمر المسلمين إلى مهادنتهم على شرط فيها حط من شأن المسلمين كبقاء أسرى مسلمين بأيديهم أو سكانهم في قرية للمسلمين أو فصلهم في خصومة بين كافر ومسلم أو دفع مال إليهم فيجوز إذا كان في كل ما تقدم يحقق مصلحة (١) لأن الهدنة تعتريها الأحكام الخمسة (٢) .


(١) شرح الخرشي على خليل جـ ٣ / ١٥٠، ١٥١
(٢) حاشية العدوي على الخرشي جـ ٣ / ١٥٠، ١٥١

<<  <  ج: ص:  >  >>