للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقصة كلها في روض الأنف ولم يكن النجاشي قد أسلم يومئذ وقد تكررت المقابلة في اليوم التالي بعد أن عزم عمرو بن العاص على أن يوقع بهم قال عمرو: والله لآتينه غدًا عنهم بما أستأصل به حُظراءهم ... قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد، قالت: ثم غدا عليه من الغد فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه، قالت: فأرسل إليهم ليسألهم عنه قالت: ولم ينزل بنا مثلها قط فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله فهي ما قال الله وما جاءنا به نبينا كائنًا في ذلك ما هو كائن ....

وتعليقنا على هذا نقول: إنها قضية كأقوى ما تكون عليه قضية في عصرنا، ومرافعة لم يشهد التاريخ لها مثيلًا ودفاع لم يأت بمثله غير جعفر بن أبي طالب ثم كان الحكم العدل. قالت: فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ منها عودًا ثم قال: والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، قالت: فتناخرت بطارقته حوله حين قال، فقال: وإن نخرتم والله: اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي – والشيوم: الآمنون – من سبكم غرم، ثم قال: من سبكم غرم, ثم قال: من سبكم غرم، ما أحب أن لي ديرًا من ذهب وإني آذيت رجلًا منكم (١) .

ونجد في السير الكبير لمحمد بن حسن الشيباني يذكر صورًا للمسلم يدخل دار الحرب فيتعرض للغصب من مسلم أو غيره فيرفع الأمر إلى سلطان تلك البلاد الكافرة فيقضي بينهما فيترتب على حكمه كما لو قضى به حاكم مسلم في دار الإسلام.

يقول في المسألة ٢٦٧٩ – ولو أن رجلين أسلما في دار الحرب ثم غصب أحدهما صاحبه شيئًا وجحده فاختصما إلى سلطان تلك البلاد فسلمه للغاصب لكونه في يده ثم أسلم أهل الدار والرجلان مسلمان على حالهما فالمغصوب مردود على المغصوب منه.

قال في الشرح: لأن رد العين مستحق على الغاصب بحكم اعتقاده بسلام أهل الدار لا يزيده إلا وكادة وبقوة سلطان أهل الحرب.

المسلم لا يصير محرزًا مال المسلم ولا متملكًا؛ لأنهما في دار الإسلام لمن يكن هو متملكًا بحكم سلطان المسلمين فكيف يصير متملكًا بحكم سلطان أهل الحرب.


(١) الروض الأنف جـ ٣ / ٢٤٧ / ٢٤٨

<<  <  ج: ص:  >  >>