للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجائز أن يكون حكمها باقيًا في أهل الحرب من أهل العهد وحكم الآية الأخرى في وجوب الحكم بينهم بما أنزل الله تعالى ثابتًا في أهل الذمة فلا يكون فيها نسخ وهذا تأويل سائغ (١) ويستدل لهذا الرأي بقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] نقل القرطبي عن النحاس قوله: وهذا من أصح الاحتجاجات؛ لأنه إذا كان معنى قوله {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] أن تجري عليهم أحكام المسلمين وجب ألا يردا إلى أحكامهم، فإذا وجب هذا فالآية منسوخة (٢) .

ولابن العربي وجهة أخرى، ولعله قول رابع في المسألة فهو يفرق بني جرائم القتل والغصب التي لا تحل في شريعة من الشرائع فيوجب الحكم فيها وبين ما تختلف فيه الشرائع فيكون التخيير، فهو يقول: وجملة الأمر أن أهل الكتاب مصالحون، وعمدة الصلح ألا يعرض لهم بشيء وإن تعرضوا لنا ورفعوا أمرهم إلينا فلا يخلو أن يكون ما رفعوه ظلمًا لا يجوز في شريعة أو مما تختلف فيه الشريعة، فإن كان مما لا تختلف فيه الشرائع كالغصب والقتل وشبهه لم يمكن بعضهم من بعض فيه.

وإذا كان مما تختلف فيه الشرائع ويحكموننا فيه وتراضوا بحكمنا عليهم فيه فإن الإمام مخير إن شاء أن يحكم بينهم حكم وإن شاء أن يعرض عنهم أعرض قال ابن القاسم: والأفضل أن يعرض عنهم (٣) .

والتفريق بين أهل العهد وأهل الذمة هو مذهب الشافعية قال في المهذب:

وإن تحاكم مشركان إلى حاكم المسلمين نظرت فإن كانا معاهدين فهو بالخيار بين أن يحكم بينهما وبين ألا يحكم لقوله عز وجل {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: ٤٢] ولا يختلف أهل العلم أن هذه الآية نزلت فيمن وادعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة قبل فرض الجزية.

وإن كان ذميين نظرت فإن كانا على دين واحد ففيه قولان:


(١) أحكام القرآن للجصاص جـ ٤ / ٨٨
(٢) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ ٦ / ١٨٦.
(٣) أحكام القرآن لابن العربي جـ ٢ / ٦١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>