للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

د- التحكيم في مسائل السياسة الشرعية:

١- التحكيم في وقف الحرب:

توصلت دول العالم أخيرًا إلى فكرة فض المنازعات بالطرق الودية كوسيلة لمنع الحروب فقررت عرض كل نزاع يقوم بين الدول على التحكيم أو القضاء وحظرت الالتجاء إلى الحرب قبل استنفاذ هذه الوسائل العلمية هذا ما نص عليه قانون عصبة الأمم ثم ميثاق الأمم المتحدة (١) ، وقد عالج الفقه الإسلامي هذا الجانب فنص على أنه لا يقاتل المسلمون غيرهم إلا بعد، يدعوهم إلى الله ورسوله ويبينوا لهم أحكام الإسلام وشرائعه (٢) .

قال الماوردي: والقسم الثاني من أحكام هذه الإمارة في تدبير الحرب. والمشركون في دار الحرب صنفان: ... الصنف الثاني: لم تبلغهم دعوة الإسلام ... فيحرم علينا الإقدام على قتالهم غرة وبياتًا أو أن نبدأهم بالقتل قبل إظهار دعوة الإسلام لهم وإعلامهم من معجزات النبوة وإظهار الحجة بما يقودهم إلى الإجابة (٣) مستدلًا بقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] .

وإذا عرضوا الصلح أو التحكيم أجيبوا إليه.

وقال أبو يوسف: وإذا حاصر المسلمون حصنًا لأهل الحرب فصالحوهم على أن ينزلوا على حكم سموه فحكم فقد يكون الحكم بالقتل أو بوضع الجزية أو بغير ذلك فكل ذلك جائز.

وكان أول تحكيم في الإسلام هو التحكيم الذي جرى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال أبو يوسف: حدثني محمد بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر بني قريظة فنزلوا على أن يحكم فيهم سعد بن معاذ، وكان جريحًا من سهم أصابه يوم الخندق وكان في خيمة رفيدة، فأتاه قومه فحملوه على حماره ثم قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك الحكم في بني قريظة وهم حلفاؤك.


(١) القانون الدولي العام لعلي أبي هيف ص ٦٢٥، ٦٥٠
(٢) مفتاح الرتاج المرصد على خزانة كتاب الخراج، أو فقه الملوك جـ ٢ / ٤٧٢
(٣) الأحكام السلطانية ص ٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>