الحجة الثالثة: حجة أخرى في صالح الربط، طبعًا هذا لا يمنع من أن يتسامح بعض المقرضين في القروض القليلة المبالغ أو الممنوحة للفقراء فلا يلجئون إلى الربط ويعتبرون هذه من باب الإرفاق بالمقترضين. إرفاق فوق إرفاق، إرفاق بالقرض أصلًا وإرفاق أيضًا نتيجة هبوط القوة الشرائية هبوطًا فاحشًا.
الحجة الرابعة: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأصناف الستة ((الذهب بالذهب.. إلى آخر الحديث)) يفيد أن التساوي مطلوب أيضًا في القروض وقد تحقق لا باعتبار العدد بل باعتبار القيمة أي القوة الشرائية كي لا يهضم المقرض والأصل في رد القرض هو الوزن، فأمنحك وزنًا من الذهب أو من الفضة أو من القمح فترد إلى مثله سواء بسواء. وقد يلجأ إلى العدد إذا كان معبرًا عن الوزن وإلا فلا. والعدد في النقود الورقية لا يصلح؛ لأن العدد قوته في زمن مختلفةٌ عن قوته في زمن لاحق، والوزن والعيار لا يمكن إرجاء المبادلة به؛ لأن النقود الورقية لا اعتبار لوزنها في المالية، أي في القوة الشرائية، وإنما الاعتبار لقيمتها الاسمية والفعلية فلم يبق إذن من أساس لوفاء القرض إلا اعتبار القيمة. لا أزال أذكر الحجج في صالحه وهناك حجج أخرى.
الحجة الخامسة: ما يدعو إلى الربط هو طبيعة العملات الحديثة وأهمية مبلغ الدين، وطول مدة الدين، ومدى حدة التضخم. وهناك قروض يمكن أن تتحول إلى عمليات قراض إذا استخدم المال في عمليات إنتاجية، لكن تبقى ثمة قروض يحتاج إليها ولا يمكن أن تتحول إلى إقراض كما في الإقراض إلى الاستهلاك أو إلى الحكومة فلا بد فيها من صيغة مناسبة لا تلحق الأذى والظلم بالمقرضين.
الحجة السادسة: الربط ليس إلا قرضًا من النقود مقومًا بسلعة معينة، وهو نظير تقديم حصة من العروض في شركة مقومة بالنقود، فكما نحتاج أحيانًا إلى تقويم العروض بالنقود قد نحتاج إلى العكس أي تقويم النقود بالعروض حفظًا للحقوق من ضياعها على أصحابها.
الحجة السابعة: إذا أراد المقرض أن يحدد إحسانه ومعروفه فلم يرد أكثر من القرض مع رده بمثل مساو لقيمته فلماذا لا نقبل هذا الإحسان منه؟ بل نصر عليه أن يقدم إحسانًا فيه مخاطرة بمبلغ مجهول، إنه يريد التبرع بقرض محدد لمدة محددة مع المحافظة على قيمة قرضه، فلماذا نطلب إليه أن يتبرع بهبوط قيمة قرضه إلى مدى غير محسوب وغير محدد مسبقًا ولا معلومًا؟ ولا بد من القول بأن منح قروض مربوطة أو مثبتة أولى من عدم أي قروض خوفًا من تدهور قيمتها.
الحجة الثامنة: إذا جاز الربط القياسي –أي بمقياس معين كالقمح أو سواه- في القرض فجوازه في غير القرض أولى كالمهر المؤخر أو الأجور أو الإيجارات أو ما مشاكلها من معاوضات مؤجلة. ففي القرض كانت الخشية من الوقوع في ربا النسيئة، أما في هذه المعاوضات فلا خوف؛ لأن ربا النسيئة أو النساء لا يقع فيها. فأين الربا فيما لو تعاقد العامل مع رب عمله على أن ينال أجرته الشهرية مبلغًا معلومًا من النقود بقيمة ألف كيلو غرام من قمح معين بسعر التجزئة أو تعاقد الزوجان على مهر مؤخر بهذه الصورة؟ ولموضوع الربط أهمية حتى في الشركات وذلك في حالة شركة مضاربة عندما يقدم رب المال نقوده الورقية إلى العامل فإذا أعاد إليه العامل رأس ماله عددًا وكانت العملة قد تدهورت فإن العامل يكون قد اشترك مع رب المال في أرباح رأس ماله وهو ما يسمى بالأرباح الرأسمالية –مع أن حقه متعلق فقط بالأرباح الإيرادية التي اشترك فيها العالم ورأس المال - المقصود بالأرباح الإيرادية التي تنشأ من جهد العامل برأس المال ولا حق له بالأرباح التي تلحق برأس المال بدون جهد منه. وكذلك في شركات الأموال إذا قدم الشركاء حصصًا مالية بعملات مختلفة ثم تغيرت أسعارها عند القسمة تغيرًا متباينًا –أي في اتجاهات متخالفة- وبنسب مختلفة، فإذا رد لكل شريك رأس ماله المدفوع عددًا ظلم الشريك الذي هبطت نقوده وربح الشريك الذي ارتفعت نقوده، والعدل يتحقق لو قدم الشركاء أموالهم بنقود موحدة وكانوا كلهم شركاء بالمال ولم يكن بينهم شركاء بالعمل. هذه بعض الحجج التي يمكن أن تذكر في صالح الربط القياسي بصورة خاصة لمسألة القروض، لكن هناك حجتان أخريان في غير صالح هذا الربط، وليس الأمر أن أقول لكم سلفًا ليس الأمر بكثرة عدد الحجج. أحيانًا يكون بنوعية هذه الحجج. من الحجج التي تذكر لعدم الربط ولعدم الأخذ بالفتوى بالربط، مثلًا:
هناك حجة مضادة لجميع هذه الحجج التي تقدمت، مفادها أن ربط القروض قد يؤدي إلى فائدة اسمية مقدارها ٢٠? مثلًا، إذا افترضنا أن معدل التضخم في بلد من بلدان العالم الثالث مثلًا بلغ هذا المقدار، هذا في حين أن الأرباح التي يحققها رأس المال المستثمر قد لا تبلغ هذا المقدار برغم أن الاشتراك في الربح فيه مخاطرة يخلو منها ربط القرض، ذكر لي هذه الحجة الشيخ الضرير في عام ١٤٠٨ هـ ويذكرها عدد من الاقتصاديين والخبراء في الاقتصاد الوضعي.