للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول:

الحجة الأولى: وهذه فيها إشارة في الواقع إلى رأي شيخنا ابن بيه، أقول فيها: لا ريب أن ربط القروض ... أفضل شرعًا من اعتبار النقود الورقية عروضًا لا نقودًا، بحيث يجوز –بحسب هذا الرأي المطروح- بيع نقد ورقي بنقد ورقي مجانس له أو مختلفًا عنه بالتفاضل والنساء، أي التأخير. فبعض الفقهاء المعاصرين أجاز ذلك معتبرًا أن النقود الورقية ليست من الأموال الربوية، فرأيهم هذا يفتح باب ربا النسيئة في قرض هذه النقود، فتباع هذه النقود بنقود أكثر منها نساء وهذا ربا نسيئة بلا ريب –لأن عندي كما أختار وأرجح وهو الذي عليه جمهور العلماء المعاصرين أيضًا- لأن البدلين متجانسان في اعتبار الشرع، ومتفاضلان مع النساء –مع التأخير- أو تباع النقود الورقية بنقود ورقية أخرى أو بذهب أو بفضة –أيضًا- مع التفاضل والنساء، فتعقد العقود الربوية في صورة بيع سلم، عروض في بيوع سلم، وحقيقتها أنها ربا نسيئة أو صرف مؤخر أو مؤجل، وكلاهما لا يجوز. وهذا الرأي لا ينفرد ربما به شيخنا ابن بيه كما فهمت من عرضه السابق، وإنما يقول به أيضًا بعض الأساتذة من المصريين. فربط القروض أفضل من مثل هذه الفتاوى والمقترحات؛ لأن الربط إذا كان ثمة تدهور في قيمة النقود فإنه محدود، محدد؛ لأن الزيادة في المبلغ النقدي مضبوطة بحد معين، وهو فرق القوتين الشرائيتين زمنيًّا. القوة الشرائية عند العقد والقوة الشرائية عند الوفاء، وهي زيادة صورية وليست زيادة حقيقية باعتبار السلع التي اتخذت قاعدة للتثبيت هنا مقياسًا كالقمح مثلًا.

الحجة الثانية: المتعاقدان إما أن يرفضا النقود الورقية، وإما أن يرفضا المعاملة أصلًا كالقرض مثلًا، يمنع القرض إذا كان التدهور مخيفًا إلا من يتحمل هذا الفرق الفاحش. إذن المتعاقدان إما أن يرفضا النقود الورقية، وإما أن يرفضا المعاملة أصلًا، وإما أن يتعاملا بنقود أو سلعة أخرى، وإما أن يلجآ إلى الربط القياسي. فأما رفض النقود فهذا ليس في مكنتهم؛ لأن إصدار النقود من اختصاص السلطان، ولكن إذا لم يقع أمر في مكنتهم فهناك أمور أخرى تقع فيها، ولا ينبغي لهم أن يقفوا مكتوفي الأيدي حتى حيال الممكن لهم. وأما رفض المعاملة فهذا غير مرغوب فيه لما فيه من تعطيل لمصالح الناس وحاجاتهم وضروراتهم. وأما التعامل بنقود أو سلعة أخرى فقد رأينا ما فيه من كلفة ومشقة في بحوث سابقة. فلم يبق إذن إلا الربط ويكون هذا حلًّا مؤقتًا –أصلًا سياسيًّا من باب السياسة الشرعية مثلًا- بين المتعاقدين فيما يستطيعانه بأنفسهما مادامت هذه النقود لا تصلح للمدفوعات المؤجلة، وربما يكون هذا بمثابة ضغط من أجل الإصلاح النقدي إذا ما رأت السلطة النقدية إعراض الناس عن الاعتراف بهذه النقود في ميدان مهم من ميادين الوظائف النقدية وهو ميدان المبادلات المؤجلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>