للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الطائفة الأولى:

١- فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبيع بعضكم على بيع أخيه)) . (١)

٢- عن أبي هريرة قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد و ... ولا يبيع بعضكم على بيع أخيه)) (٢) وقد روى هذا الحديث أيضاً مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ ((لا يبع بعضكم على بيع بعض)) .

وعنه أيضاً: ((لا يبع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته إلا أن يأذن له)) .

ولما كان البيع حقيقة هو في صورة انعقاده، فيكون البيع على البيع حقيقة في صورة انعقاد البيع الأول، وهذه الحقيقة هنا منتفية، فحمل على أقرب المجازات إليها، وأقرب المجازات هي المراكنة التي يركن فيها المشتري إلى البائع وتنشر السلعة له.

أقول: إن حقيقة البيع على البيع هنا موجودة، فلا حاجة إلى حمل الروايتين على أقرب المجازات، وتوضيح ذلك هو أن البيع الأول عندما يتم يأتي البائع الآخر فيقول للمشتري في زمن خيار المجلس "إذا فسخت بيعك فأنا أبيعك مثله بأقل منه أو يقول مشتر آخر للبائع إذا فسخت بيعك، فأنا أشتري منك بأكثر منه".

وأما ما ذكر من المراكنة فقد وردت فيها روايات الطائفة الثانية.

الطائفة الثانية:

روي عن الحسين بن زيد عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه في حديث المناهي أنه قال: "ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم". (٣)

ومعناه: أن يطلب غيره من المسلمين ابتياع الذي يرد أن يشتريه، ويبذل زيادة عنه ليقدمه البائع أو يطلب البائع بيع سلعته بسعر أقل مما اتفق عليه البائع مع المشتري أو يبذل شخص آخر غير المتساومين إلى المشتري متاعاً غير ما اتفق هو والبائع عليه. فنرى أن أحد المتبايعين قد ركن في المعاملة إلى الآخر ولم يبق إلا العقد والصفقة، فإذا أراد أحد أن يدخل في ما بين المتراكنين ليفسد عليهما صفقتهما فيكون مشمولاً لهذا النهي، وهذا النهي دال على الحرمة ظاهراً، فقد يقال بتعارضه مع صحة عقد المناقصة.

ولكن أقول بعد الغض عن ضعف سند الحديث:

إن هذا النهي وإن كان ظاهراً يدل على الحرمة، إلا أن ارتكازية "تسلط الناس على أموالهم" التي ورد فيها النص تدل على أن السلطنة على مال الإنسان تمتد إلى تمامية البيع أو العقد، وما دام هنا في المساومة لا يوجد بيع ولا عقد فتكون قرينة على أن المراد من النهي المتقدم هو الكراهة، ولذا أورد الفقهاء هذه الرواية في باب الآداب، وعلى هذا فلا تكون معارضة لصحة عقد المناقصة بناء على ورودها في مورد عقد المناقصة.

النتيجة: ولكننا نقول: إن المناقصة التي نحن بصدد الكلام عنها تختلف اختلافاً أساسيًّا عن مورد النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه، ومورد النهي عن الدخول في سوم الأخ المسلم وذلك:

لأن المناقصات التي توجد في الخارج ويحصل التوارد على المناقصة في العملية الواحدة لا يوجد فيها بيع حتى يكون بيع الرجل على بيع أخيه، ولا يوجد ركون حتى يكون دخول على سوم الأخ المسلم، وإنما هي عروضات تحصل من المتناقصين للمشترى يختار أحدها الموافق له وحينئذ تكون هاتان الطائفتان من الروايات خارجتين عن صحة المناقصات التي نحن بصدد الكلام عنها.


(١) صحيح البخاري بشرح فتح الباري /ج٤/ص ٣٥٢-٣٥٣ باب ٥٨/ حديث رقم ٢١٣٩ – ٢١٤٠.
(٢) صحيح البخاري بشرح فتح الباري /ج٤/ص ٣٥٢ – ٣٥٣ باب ٥٨/ حديث رقم ٢١٣٩ – ٢١٤٠
(٣) وسائل الشيعة /ج١٢/ باب ٤٩ من أبواب التجارة/ ح٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>