للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج- وذهب الحنابلة إلى أنه لا يشترط ذكر مكان الإيفاء، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يذكره، فدل على أنه لا يشترط فيه. ولأنه عقد معاوضة، فلا فيه ذكر مكان الإيفاء، كبيوع الأعيان، إلا أن يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه كصحراء وبحر وجبل ونحو ذلك، فعند ذلك يشترط بيانه لتعذر الوفاء في موضع العقد، فيكون محل التسليم مجهولا، فاشترط تعيينه بالقول كالأجل. (١)

د- وقال ابن حزم: لا يجوز أن يشترطا في السلم دفعه في مكانه بعينه، فإن فعلا فالصفقة كلها فاسدة لكن حق المسلم قبل المسلم إليه أنه حيث ما لقيه عند محل الأجل فله أخذه بدفع حقه إليه، فإن غاب أنصفه الحاكم من ماله –أي المسلم إليه- إن وجد له، لقوله تعالي: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:٥٨] فهو مأمور بأداء أمانته حيث وجبت عليه ويسألها. (٢)

هـ -قال الحنفية: لا يشترط مكان الإيفاء إذا لم يكن للمسلم فيه حمل ومؤنة، بحيث لا يحتاج نقله إلى كلفة وسيلة نقل وأجرة حمال (٣) . أما إذا كان له حمل ومؤنة، فقد اختلف أبو حنيفة مع صاحبيه في اشتراط تعيين مكان الإيفاء.

- فقال أبو حنيفة: يشترط بيان مكان إيفاء المسلم فيه؛ لأن التسليم غير واجب في الحال، فلا يتعين مكان العقد موضعا للتسليم، وإذا لم يتعين بقي مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة لاختلاف القيم باختلاف الأماكن، فلا بد من البيان دفعا للمنازعة، إذ صار كجهالة الصفة.

وقال أبو يوسف ومحمد: لا يحتاج إلى تعيينه، ويسلمه في موضع العقد؛ لأن مكانه موضع الالتزام، فيتعين لإيفاء ما التزمه في ذمته، كموضع الاستقراض والاستهلاك وكبيع الحنطة بعينها. (٤)


(١) البهوتي، شرح المنتهى، مرجع سابق ٢/٢٢١؛ كشاف القناع، مرجع سابق ٣/٢٩٢.
(٢) ابن حزم، المحلى، مرجع سابق ٩/١١٠.
(٣) وهذا الحكم لا خلاف فيه بين الإمام وصاحبيه، وفي هذه الحالة يكون للمسلم فيه أن يوفيه حيث شاء كما صحح صاحب الدر المختار، وصحح ابن كمال أن الوفاء يكون في مكان العقد. (ابن عابدين، رد المحتار، مرجع سابق ٤/٢٠٧)
(٤) ابن نجيم، البحر الرائق، مرجع سابق ٦/١٧٦؛ الكاساني، البدائع مرجع سابق ٥/٢١٣؛ ابن عابدين، رد المحتار، مرجع سابق ٤/٢٠٧؛ ابن همام، فتح القدير، مرجع سابق ٦/٢٢١ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>