للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٦- ومع أن جمهور الفقهاء –عدا الشافعية- اتفقوا على وجوب كون المسلم فيه مؤجلا لصحة العقد، فقد اختلفوا في تحديد الأجل الأدنى الذي لا يصح بأقل منه، وذلك على جملة أقوال:

أ- فذهب الظاهرية إلى أن الحد الأدنى للأجل أقل ما ينطبق عليه اسم الأجل لغة، ساعة فما فوقها. (١)

ب- وقال الحنابلة: من شرط الأجل أن يكون مدة لها وقع في الثمن عادة، كالشهر وما قاربه؛ لأن الأجل إنما اعتبر لتحقيق الرفق الذي من أجله شرع السلم، ولا يحصل ذلك بالمدة التي لا أثر لها في رخص الثمن. (٢)

ج- واختلف فقهاء الحنفية في تحديده، فقال الكرخي: إنه موكول لتراضي العاقدين، حتى لو قدّرا نصف يوم جاز. وقيل: أقله ثلاثة أيام قياسا على خيار الشرط. قال الكاساني: (وروي عن محمد أنه قدره بالشهر وهو الصحيح؛ لأن الأجل إنما شرط في السلم ترفيها وتيسيرا عن المسلم إليه، ليتمكن من الاكتساب في المدة. والشهر مدة معتبرة يتمكن فيها من الاكتساب، فيتحقق معنى الترفيه. فأما ما دونه ففي حد القلة، فكان له حكم الحلول) . (٣)

د- وذهب المالكية في المشهور عندهم إلى أن أقله ما تختلف فيه الأسواق، كالخمسة عشر يوما ونحوها. وهو قول ابن القاسم (٤) . وروى ابن وهب عن مالك: أنه يجوز اليومين والثلاثة. وقال ابن عبد الحكم: لا بأس به إلى اليوم الواحد. (٥)

قال الباجي –بعد عرض تلك الأقوال-: (إذا ثبت ما قلناه، فالذي قاله القاضي أبو محمد أن تغير الأسواق في ذلك لا يختص بمدة من الزمان، وإنما هو على حسب عرف البلاد. ومن قدر ذلك بخمسة عشر يوما أو أكثر فإنما قدر على عرف بلده، وتقدر ابن القاسم ذلك بخمسة عشر يوما أو عشرين أظهر؛ لأن هذا عرف البلاد، ومقتضى ما علم من أسواقها، فإنه يغلب تغيرها في مثل هذه المدة) . (٦)


(١) ابن حزم، المحلى، مرجع سابق ٩/١٠٩
(٢) البهوتي، شرح المنتهى، مرجع سابق ٢/٢١٨؛ كشاف القناع، مرجع سابق ٣/٢٨٥؛ ابن قدامة، المغني، مرجع سابق ٣/٢٨٥.
(٣) الكاساني، البدائع/ مرجع سابق ٥/٢١٣؛ وانظر ابن الهمام، فتح القدير، مرجع سابق ٦/٢١٩
(٤) الخرشي، شرح خليل، مرجع سابق ٥/٢١٠؛ ابن جزي، القوانين الفقهية، مرجع سابق ص٢٧٤؛ ابن رشد بداية المجتهد، مرجع سابق ٢/٢٢٨.
(٥) ابن رشد، بداية المجتهد، مرجع سابق ٢/٢٢٨، الباجي، المنتقى، مرجع سابق ٤/٢٩٧. وقد ذكر الباجي وابن رشد أن محل هذا الخلاف عند المالكية فيما إذا كان قضاء المسلم فيه في البلد الذي عقد فيه المسلم. أما إذا كان المسلم فيه يقتضي بغير بلد السلم، فإن أدنى الأجل عندهم هو مدة قطع المسافة التي بين البلدين قلَّت أو كثرت.
(٦) الباجي، المنتقى، مرجع سابق ٤/٢٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>