للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرط الثالث: أن يكون مؤجلا.

٣٤-لقد اشترط جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والظاهرية لصحة السلم أن يكون المسلم فيه مؤجلا، وقرروا عدم صحة السلم الحال (١) ، ودليلهم على ذلك:

أ – قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)) . حيث أمر عليه الصلاة والسلام بالأجل في السلم، وأمره يقتضي الوجوب، فيكون الأجل من جملة شروط صحة السلم، فلا يصح بدونه.

ب – أن السلم جوز رخصة للرفق، ولا يحصل إلا بالأجل، فإذا انتفى الأجل انتفي الرفق، وذلك (لأن المسلف يرغب في تقديم الثمن لاسترخاص المسلم فيه، والمسلم إليه يرغب فيه لموضع النسيئة، وإذا لم يشترط الأجل زال هذا المعنى) . (٢)

ج- قال القاضي عبد الوهاب: (ولأن السلم مشتق من اسمه الذي هو السلف، وهو أن يتقدم رأس المال ويتأخر المسلم فيه، فوجب منع ما أخرجه عن ذلك) . (٣)

د- ولأن السلم الحال يفضي إلى المنازعة، إذ هو أصلا بيع المفاليس، فالظاهر أن يكون المسلم إليه عاجزا عن تسليم المسلم فيه حالا، ورب السلم يطالب بالتسليم، فيتنازعان على وجه تقع الحاجة إلى الفسخ. كما أنه قد يكون فيه إلحاق الضرر برب السلم، لأنه أعطى رأس المال إلى المسلم إليه وصرفه في حاجته، فلا يصل المسلم فيه ولا إلى رأس المال، بخلاف الأمر عند اشتراط الأجل، حيث لا يملك المطالبة إلا بعد حل الأجل، وعند ذلك يقدر المسلم إليه على التسليم ظاهرا، فلا يؤدي إلى المنازعة المفضية إلى الفسخ والإضرار برب السلم. (٤)

٣٥- وخالف في ذلك الشافعية وقالوا بجواز السلم الحال كما هو جائز مؤجلا. وحجتهم القياس الأولوي على السلم المؤجل، حيث إن في الأجل ضربا من الغرر، إذ ربما يقدر المسلم إليه على تسليمه في الحال، ويعجز عند حلول الأجل، فإذا جاز مؤجلا، فهو حالا أحرى بالجواز؛ لأنه أبعد عن الغرر. (٥)


(١) ابن جزي، القوانين الفقهية، مرجع سابق ص٢٧٤؛ الكاساني، البدائع، مرجع سابق ٥/٢١٢؛ ابن رشد، المقدمات الممهدات، مرجع سابق ص ٥١٥؛ ابن قدامة، المغني، مرجع سابق ٤/٣٢١؛ ابن حزم، المحلى/ مرجع سابق ٩/١٠٥؛ أبو الحسن المالكي، كفاية الطالب الرباني، مرجع سابق٢/١٦٣؛ ابن نجيم، البحر الرائق، مرجع سابق ٦/١٧٤؛ البهوتي، شرح المنتهى، مرجع سابق ٢/٢١٨؛ ابن الهمام، فتح القدير، مرجع سابق ٦/٢١٧؛ الباجي؛ المنتقى شرح الموطأ، ٤/٢٩٧ مط. السعادة بمصر سنة ١٣٣٢هـ.
(٢) ابن رشد، بداية المجتهد، مرجع سابق ٢/٢٢٨.
(٣) القاضي عبد الوهاب، الإشراف على مسائل الخلاف، مرجع سابق ١/٢٨٠
(٤) الكاساني، البدائع، مرجع سابق ٥/٢١٢.
(٥) الشيرازي، المهذب مرجع سابق ١/٣٠٤؛ الشافعي، الأم، مرجع سابق ٣/٩٥؛ الرملي، نهاية المحتاج، مرجع سابق ٤/١٨٥؛ الأنصاري، أسنى المطالب، مرجع سابق ٢/١٢٤؛ النووي، روضة الطالبين، مرجع سابق ٤/٧؛ الرافعي، فتح العزيز، مرجع سابق ٩/٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>