للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رد القاضي عبد الوهاب البغدادي مذهب الإمام أبي حنيفة مستندا في تجويز السلم في النقود على قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم)) وهي من الموزونات، وبأن كل ما جاز أن يكون في الذمة ثمنا جاز أن يكون مسلما فيه؛ ولأن ضبطها بالصفة ممكن بذكر فضتها أو ذهبها وسكتها ووزنها، (١) فانتفى كل مانع، وتوفر مناط الجواز. أما احتجاجهم بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) ((نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم)) فغير مسلم؛ لأن الحديث الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام إنما هو النهي عن بيع ما ليس عندك، أما تتمة (ورخص في السلم) فلم تُرْوَ في الحديث، وإنما هي من كلام بعض الفقهاء (٢)

٢٩- هذا، ومع أن جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة يعدون المذروعات المتماثلة الآحاد والعدديات المتساوية أو المتقاربة من جملة المثليات التي تقبل الثبوت في الذمة دينا في عقد السلم، ويصح كونها مسلما فيه قياسا على المكيلات والموزونات التي نص الحديث على جواز السلم فيها، للعلة الجامعة بينهما وهي رفع الجهالة بالمقدار؛ لأن القصد من التقدير هو رفع الجهالة وإمكان التسليم بلا منازعة، وهذا حاصل بالعدّ والذرع فيما يقدر بالوحدات القياسية الطويلة أو بالعدد كما هو حاصل بالوزن أو بالحجم فيما يقدر بالوزن أو الكيل. قال الخطيب الشربيني: فإن قيل: لم خص في الحديث الكيل والوزن؟ أجيب بأن ذلك لغلبتهما وللتنبيه على غيرهما. (٣)

فقد خالف ابن حزم في ذلك، ومنع صحة السلم في غير المكيلات والموزونات، فقال: (ولا يجوز السلم إلا في مكيل أو موزون فقط، ولا يجوز في حيوان ولا مذروع ولا معدود ولا في شيء غير ما ذكرنا) . (٤) واحتج على ذلك بما روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: ((من أسلف فلا يسلف إلا في كيل معلوم ووزن معلوم)) قال: (فهذا منع السلف وتحريمه البتة إلا أن في مكيل موزون) . (٥)


(١) القاضي عبد الوهاب، الإشراف على مسائل الخلاف، مرجع سابق ١/٢٨١.
(٢) ابن حجر العسقلاني، الدراية في تخريج أحاديث الهداية، مرجع سابق ٢/١٥٩؛ ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مرجع سابق ٢٠/٥٢٩.
(٣) الشربيني، مغني المحتاج، مرجع سابق ١/١٠٨.
(٤) ابن حزم، المحلى، مرجع سابق ٩/١٠٥
(٥) ابن حزم، المحلى، مرجع سابق ٩/١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>