للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد خلق تعالى العقل وجعله هاديًا ومنيرًا، وأوجب تقويته بالعلم، وأمر بالاعتماد عليه في سائر الأمور، لأنه كلما قوي ازداد نفعه وقلت عثراته، وأودعه في الرجل والمرأة على السواء، وأناط به التكليف، ووظفه لعمل الخير، وفعل الصالحات، فهو النصوح والمرشد إذا لم تغيبه المغيبات التي منها طغيان العاطفة. وخلق الله تعالى العاطفة وأناط بها علاقة الذكر بالأنثى، وتواصل التناسل، وحمايته الذات من الألم، وحسن ارتباطها بالأصول والفروع، فجعل لها مزايا، وجعل بطلتها المرأة. وجعل لها مخاطر كالسكين، وحذر من مخاطرها التي تكثر عند المرأة.

(٢) النقص المالي: وهو الإعسار والعجز عن أداء الحقوق المالية. وصاحب هذه النقص سماه القرآن: ذو عسرة، فقال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:٢٨٠] .

والإعسار المالي عذر شرعي له أثره في تخفيف الأحكام على المعسر والمفلس.

وفي بيان من هو العسر اختلفت أنظار الفقهاء:

فمنهم من قال: هو الذي يحل له أن يأخذ الصدقة ولا تجب عليه الزكاة، ومنهم من قال: هو الذي يستحق أن يعان ولو من مال الصدقة لأنه لا مال له ولو كانت له دار يمتلكها.

والفلس: هو عدم المال. وللتفليس أحكام مبسوطة في كتب الفروع تحوم كلها أو جلها حول استرداد حق الغير. مع وصية القرآن والسنة في الرفق بالمعسر والتخفيف عنه، وندب الشارع العزيز التصدق عليه بما تخلف في ذمته وعجز عن أدائه. قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٨٠] . وجاء في السنة الصحيحة قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله)) . (١) . وقوله صلى الله عليه وسلم ((من نفس عن غريمه أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة)) (٢) . والأحاديث في هذا الباب عديدة ومن طرق متعددة.

وقد اعتبرت الشريعة الإعسار المالي عذرًا يجلب التخفيف للمعسر فيما عليه من حقوق مالية أوجبها الله سواء كانت عبادة: كالزكاة وزكاة الفطر، والحج، والأضحية ونفقة الجهاد.

- أو كانت عقوبة مثل: الكفارات، الدية.

- أو كانت عوضًا عن غير مال مثل: النفقات الواجبة، نفقات الصلة على الأقارب، أجرة الإرضاع والحضانة، الصداق.

والتخفيف في هذه الواجبات المالية يكون بالإسقاط فيما تمحض الحق فيه لله تعالى مثل العبادات: كالزكاة، والحج، والأضحية؛ ومثل الواجبات المشروطة باليسار كالنفقة الواجبة لغير الزوجة، ويكون بالإنظار والتأجيل فيما هو حق للعباد مثل حق الزوجة في صداقها، وفي نفقتها ولو فيما مضى.

(٣) – النقص الاجتماعي: المراد به وضع مخصوص كوضع الأرقاء وما يفرض عليهم من أن يكون في خدمة المالكين لرقابهم بإزاء ما هو مفروض عليهم من واجبات شرعية قد يشق عليهم تأديتها كالأحرار الذين قدروا عليها لأنهم يملكون أنفسهم ويتصرفون في أوقاتهم.


(١) حديث عبادة بن الصامت، أخرجه مسلم في الزهد.
(٢) حديث أبي قتادة، رواه أحمد ومسلم. انظر ذخائر المواريث: عدد ٨٠٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>