من أجل ذلك حط عن العبيد كثير من الواجبات مثل: الجمعة، والعيدين، والجماعة، والاعتكاف، والشهادة والولاية، والزكاة، والحج، والعمرة، والأضحية؛ كما حط عنهم نصف العقاب إذا ما ارتكبوا ما يوجب العقاب.
(١٠) – العسر وعموم البلوى: المراد بالعسر الصعوبة، كما في الإتيان بالمأمورات من مشقة، وكذلك الحال في الإمساك عن المنهيات.
ومن القواعد الكلية في التشريع الإسلامي " المشقة تجلب التيسير " وهي قاعدة متأصلة في أحكام الشرع الإسلامي يدل على تأصيلها قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] ويقول القرافي في إحدى قواعده: " كل مأمور يشق على العباد فعله، سقط الأمر به، وكل منهي شق عليهم اجتنابه سقط النهي عنه " وجاء في كلام خليل الفقيه المالكي: " وعفي عما يعسر ".
كما جاء في كلام ابن نجيم النظار الحنفي، في مساق التنويه بالقاعدة الكلية الآنفة الذكر: " قال العلماء: يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته " (١) .
وليست كل المشاق جالبة للتيسير، ولا كل ما عمت به البلوى يسمح به ويقتضي التخفيف.
ومن هنا جاء البحث في أنواع المشقة وتحديد ما يكون منها مؤثرًا ومقتضيًا للتخفيف والترخيص، فقالوا: المشاق على ثلاث مراتب، وهذه المراتب هي التي تكون في المشقة غير الملازمة للعبادة غالبًا، وهي التي يعنيها العلماء باسم مشقة ويقسمونها إلى المراتب المذكورة.
أما المشقة التي تلازم العبادة ولا تنفك عنها، وهي مدخول عليها في مفهوم التكليف، لأنها في دائرة الاستطاعة ومن ضرورة الحركة والعمل لتحقيق الامتثال والطاعة.
- كمشقة البرد في الطهارة (دون خوف ضرر كحدوث مرض) .
- ومشقة الجوع للصائم العادي.
- ومشقة السفر للحج والجهاد.
ويلحق بهذا: المشقة المقصودة للشارع في القصاص من الجناة وإقامة الحد على العصاة.
فكل هذه المشاق الملازمة لا أثر لها في إسقاط العبادة ولا في ترك ما حتمه الشرع في كل الأوقات.
(١) الأشباه والنظائر: ص ٧٥ (ط. دار الهلال – بيروت ١٤٠٠هـ / ١٩٨٠م) .