للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥- الإكراه: هو جبر الغير على ما لايرضى فعله أو الإعانة عليه لو كان حرًّا في تصرفه.

ويقع المكره تحت طائلة المتسلط عليه المهدد له بإلحاق ضرر بحياته أو حياة أبنائه أو عرضه أو ماله، كالتهديد بقتله أو قتل أحد أبنائه أو اغتصاب زوجته أو ابنته، أو اغتصاب ماله.

وليس كل إكراه يجوز للمكره فعل ما أكره عليه، فالذي توعده الصائل بالسجن أو الجلد أو الصفع مكرهًا إياه على وقاع أجنبية لا يواقعها. والذى يهدد بالقتل إن لم يقتل أباه أو أحد الصالحين لا يقتله ولو قتل، وهذا ما تقوله القاعدة الأصولية وهي: الضرر لا يزال بضرر أشد. ومن هذا الأشد أن الضرر الخاص لا يدفع بالضرر العام ومثاله: إذا تترس الأعداء بصبيان المسلمين ليمنعونا من رميهم. فإذا رميناهم قتلنا صبياننا بأيدينا، وإذا تركنا الرمي استولى علينا الأعداء وقهرونا. فلا نترك الرمي ولا نستسلم لحيلة الأعداء، ولا نضحي بمصلحة الأمة وبعزتها ومنعتها وهي مصلحة عامة، ابتغاء مصلحة خاصة لا تمس إلا عددًا من الأنفار، فالواجب يقتضينا تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.

ويختلف الإكراه عن الضرورة في كونها تبيح الفعل مطلقا بخلاف الإكراه فقد يبيح الفعل وقد لا يبيحه، وإذا ثبتت الإباحة في حال الإكراه (إباحة فعل المكره عليه) فذلك دليل على أن الاضطرار قد تحقق كما بين ذلك العلماء ومنهم البزدوي (١) .

٦- الخطأ: يطلق الخطأ ويراد به ما يقابل العمد، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] وقوله تعالى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] وفي الحديث الشريف ((قتل الخطأ ديته عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون........)) الحديث (٢) .

وهذا الإطلاق هو مراد الشرع من كلمة الخطأ.

وقد يطلق الخطأ على ما يقابل الصواب، فيقال أخطأ الرامي إذا لم يصب كما يقال للماشي أخطأ طريقه إذا عدل عنها إلى طريق أخرى.

والخطأ مختلف عن النسيان على ما درج عليه أهل التحقيق، يدل عليه عطف أحدهما على الآخر في حديث: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان..)) إذ العطف يقتضي المغايرة، فلا يعطف الشيء ذاته على نفسه.

والفرق بين الخطأ والنسيان على رأي من يقول بالفرق هو أن الخطأ يمكن الاحتراز منه بالتوقف والتثبت، بخلاف النسيان فهو خارج عن طاقة الناس فلا يقال لصياد رمى فريسة فأصاب إنسانًا إنه نسي، بل يقال أخطأ. وبخلاف ذلك، قد يطلق على من أكل ناسيا صيامه أنه أكل مخطئًا.


(١) انظر: كشف الأسرار على أصول البزدوي، ومعه نور الأنوار. ط. مكتب الصنايع ١٣٠٧هـ وانظر الأشباه والنظائر لابن نجيم ص ٢٨٢، ففيه فوائد عن أحكام الإكراه
(٢) رواه أبو داود، انظر كتاب الديات عدد ٤٥٤٥. ومثله الترمذي

<<  <  ج: ص:  >  >>