للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما ينتقل المترخص من الفعل المحرم: كأكل الميتة أو شرب الخمر إلى الإباحة أو الوجوب أو الندب أو خلاف الأولى، وهذه هي الأقسام الأربعة للرخصة، كما قررها علماء الشافعية وغيرهم بقطع النظر عن الحكم الأصلي للعزيمة سواء، كان الوجوب أو الحرمة، وهذا تفصيل الأقسام الأربعة وأمثلتها:

١- الرخصة المندوبة، والمراد ما كان الانتقال إليها من حكم العزيمة مندوبًا، مثل:

- قصر الصلاة للمسافر – بعد توفر شروط القصر – تخفيفًا عليه من مشاق السفر لقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: ١٠١] وفى الحديث عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] فقد أمن الناس. فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ((صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)) (١) دل تعبيره صلى الله عليه وسلم بالصدقة، وحثه إيانا على قبول هذه الصدقة دل كل ذلك على أن القصر بات مشروعًا لمن ضرب في الأرض، سواء مع الخوف أو عدمه، كما دل ذلك على أن شرط الخوف جرى مجرى الغالب بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إذ كانت أغلب أسفارهم بقصد الجهاد في سبيل الله.

وفهم أبو حنيفة – رضي الله عنه – من هذا التعبير حكم الإسقاط في حق المسافر فيما زاد على الركعتين، بحيث صار فرض المسافر ركعتين، وليس في الأمر رخصة، فقال في مجال التدليل على رأيه: الصدقة هنا ليست حقيقية بدليل أنها لا تملك، ولا تتوقف على قبول المتصدق عليه، ونظير هذا قول ولي القصاص للجاني: تصدقت عليك بدم فلان فإنه يكفي لإسقاط القصاص دون قبول الجاني. وكذلك الأمر هنا: صدقة الله علينا تعني إسقاط ركعتين من الرباعية وليس للأمر علاقة بالرخصة.

وعلى المذهب الحنفي صار فرض المسافر ركعتين بدل أربع للمقيم، والتمثيل بقصر الصلاة- في هذا الباب – يجري على المذهبين الشافعي والحنبلي لأنهما يعتبران القصر للصلاة مندوبًا، كما يجري وفق المذهب المالكي الذي يعتبر القصر سنة مؤكدة لأنه – عند مالك – مما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه.

٢- الرخصة الواجبة، والمراد ما كان الانتقال إليها من حكم العزيمة واجبًا أي فعله واجبًا، ومثلوا له بأكل الميتة استبقاءً على الحياة لمن وقع في مخمصة وخشي الهلاك، فقد قال الحق تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:٣] بعد قوله تعالى في أصل الحكم الذي بقي به الدليل قائمًا: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] كما مثلوا لهذا القسم بوجوب إفطار المريض في رمضان إذا خاف الهلاك أو زيادة المرض أو استمراره.

٣- الرخصة المباحة، أي ما كان الانتقال إليها من العزيمة مباحًا ومثلوا لهذا القسم بأمثلة كثيرة لا يسلم أغلبها من الاعتراض، منها: فطر المسافر، والظاهر أنه راجع للقسم الآتي: الرخصة على خلاف الأولى لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] .


(١) رواه أصحاب الصحاح عدا البخاري، وكلهم في الصلاة إلا الترمذي ففي التفسير انظر ذخائر المواريث: عدد ٥٦٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>