للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعتبر حجة الإسلام الغزالي هذا النوع من الرخص في الرتبة العليا.

٢- تطلق الرخصة من باب المجاز على ما استبيح لعذر دون رجوع إلى حكم العزيمة ودون تقيد بقاعدة: ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها.

وكما يسمى هذا القسم رخصة مجازية، يسمى رخصة إسقاط.

المثال: ما وضع عنا من الإصر والأغلال التي كانت على من قبلنا؛ كوجوب قتل النفس لمن أراد التوبة، ووجوب قطع موضع النجاسة من الثوب لا غسله، وقطع الأعضاء الخاطئة وغيرها. فرفع هذا الإصر دون عودة هو في الحقيقة نسخ وإنما أشبه الرخصة من حيث التيسير والسهولة، فسميت رخصة على ضرب من التجوز.

٣- ما تردد بين القسمين السالفين، وهي صور بعضها أقرب إلى الحقيقة وبعضها أقرب إلى المجاز.

أ- الصور القريبة من الحقيقة: ما أبيح ورخص فيه مع قيام السبب المانع، مثل: الفطر للمسافر في رمضان وقصره للصلاة.

فالسبب المانع من الفطر قائم، وهو دخول هذا المسافر تحت عموم قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] . فأخرج من العموم ترخيصًا للعذر ومظنة العسر.

ب- الصور الأقرب إلى المجاز: مما لا يحسن أن يسمى رخصة إلا بتجوز، مثل: التيمم عند فقد الماء، فالسبب المانع، وهو التكليف باستعمال الماء ليس قائما لعدم وجوده، ولقول الحق تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] ومن مقتضيات الرخصة الحقيقية التوسيع على المكلف والترخيص له مع وجود السبب قائمًا. وليس منه هذا التيمم عند فقد الماء، بل هو أشبه بالإطعام في كفارة الظهار عند فقد الرقبة، لأن الظهار سبب لوجوب العتق في حالة، ولوجوب الإطعام في حالة، وليس رخصة.

ومما يدخل تحت الرخصة المجازية السلم وما شابهه من العقود المستثناة من أصل ممنوع مثل المغارسة والمساقاة والجعل والقراض وغيرها، فالسلم مثلا داخل تحت أصل ممنوع وهو: بيع الإنسان ما ليس عنده. ولكنه استثني لحاجة الناس، وعبر عن هذا الاستثناء ترخيصًا، كما جاء في حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه: ((نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان، وأرخص في السلم)) (١) .

ومن هنا جاء اعتبار السلم رخصة مجازية، باعتبار أنه بيع دين فاختلف عن بيع العين في شرط حضور المبيع، والافتراق في الشرط لا يلحق أحدهما بالرخصة.


(١) لفظه عند أحمد: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبيع ما ليس عندي وليس فيه: وأرخص في السلم) . انظر المسند ٣ /٤٠٢

<<  <  ج: ص:  >  >>