للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وعرفها من المتأخرين شيخ الإسلام محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله فقال: الرخصة تغير الفعل من صعوبة إلى سهولة لعذر عرض لفاعله وضرورة اقتضت عدم اعتداد بما في الفعل المشروع (يعني المشروع ابتداء) من جلب مصلحة أو دفع مفسدة، مقابل المضرة العارضة لارتكاب الفعل المشتمل على المفسدة.

لم نقف على هذا التعريف عند غير الشيخ ابن عاشور، وقد وضعه بهذا الإطناب ليتقصى الأسس التي قامت عليها الرخصة، وهى كما تؤخذ من عبارته في هذا التعريف:

أ – أن الرخصة أساسها التغيير من صعوبة إلى سهولة: تيسيرًا ودفعها للحرج عن المكلف، وبدون هذا التغيير وهذا التيسير لا وجود للرخصة.

ب- أن الداعي لهذا التغيير أمران:

الأمر الأول: حصول عذر عارض للمكلف يشق معه أو يحول دون الأخذ بالفعل المشروع ابتداء.

الأمر الثانى: عدم اعتداد الشريعة – مع قيام هذا العذر للمكلف – بالفعل المشروع ابتداء، لما في استمرار الاعتداد به من ضرر طارئ.

وبهذا المنهج الواضح في تعريف الرخصة، يتبين لنا أن الشريعة الإسلامية المطهرة لا تخرج في عامة الأحوال وخاصتها عن المبدأين المشهورين.

١- مراعاة مصالح العباد.

٢- التيسير ورفع الحرج.

وقد درج الشيخ ابن عاشور على ما درج عليه الشاطبي في عد الرخصة مستمدة من قاعدة رفع الحرج، كما أن العزيمة راجعة إلى أصل التكليف وكلاهما (أي الرخصة والعزيمة) أصل كلي (١) .

- الصيغ المؤذنة بالترخيص:

للرخصة صيغ عديدة، جاءت بها نصوص الكتاب الكريم والسنة المطهرة، من هذه الصيغ.

أ – نفي الجناح (بضم الجيم) هو الإثم. قال تعالى:

- {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨]

- {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: ١٠١]

- {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} [النور: ٥٨]

- {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: ٦٠] (٢)

وفي الحديث الصحيح: عن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خمس من الدواب لا جناح على من قتلهن: الغراب والحدأة والفأرة، والعقرب، والكلب العقور)) (٣) .


(١) ابن عاشور، مقاصد الشريعة: ١٢٤- ١٢٥. (ط. الشركة التونسية للتوزيع)
(٢) آيات نفي الجناح
(٣) رواه الخمسة (عدا ابن ماجه) انظر: التاج الجامع للأصول: ٢ /١١٦. (دار إحياء التراث العربي – بيروت. ط. ثالثة ١٣٨١هـ /١٩٦١م

<<  <  ج: ص:  >  >>