أولها: كون الرخصة مشروعة لعذر، وظاهره أن ما شرع لغير عذر لا يسمى رخصة كما هو مقرر لدى علماء الأصول.
ثانيها: كون العذر من نوع الشاق، بخلاف العذر الذي لا مشقة فيه، وإنما هو حاجة عرضت، مثل حاجة الضرب في الأرض بصفة عامة لأنها حاجة الأمة وحاجة الأفراد، وعجز صاحب المال عن الضرب في الأرض بنفسه لا يعتبر عذرًا شاقا، ورغم ذلك فقد راعى الشارع حاجة الأمة بصفة عامة ويسر على الناس فأباح أنواعًا من العقود مثل: القراض والمساقاة والسلم إباحة مطردة لم يقتصر فيها على موضوع الحاجة، ولا على أصحاب الأعذار وحدهم.
وهذه العقود – وإن كانت مستثناة من أصل ممنوع – فلا تسمى رخصًا بالمفهوم الاصطلاحي، وإنما هي من قبيل ما رخص فيه الشرع لدخوله تحت أصل الحاجيات الكلية. والحاجيات الكلية لا تسمى عند العلماء رخصة بالمفهوم الاصطلاحي، بل بالمفهوم اللغوي لا غير. وكذلك الشأن فيما إذا رجع العذر إلى أصل تكميلي، وليس من قبيل الأعذار الشاقة، فلا يسمى ما شرع بسبب هذا العذر التكميلي رخصة اصطلاحًا، ومثال هذا: الترخيص للمأمورين في الصلاة جلوسًا تبعا لإمامهم الذي يشق عليه القيام، فجلوس المأمومين كان لغير مشقة، وإنما لموافقة إمامهم وعدم مخالفته، وهو أصل تكميلي بناء على ما جاء به الحديث الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم:((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) .
ثالثها: الاقتصار بحكم الرخصة على موضع الحاجة دون سواه، بناء على قاعدة:" ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها" وهذا القيد عند من نصوا عليه هو الفاصل بين ما شرع من الحاجيات الكلية، وبين ما شرع من الرخص بصورة جزئية يقتصر فيها على موضع الحاجة لا غير.
ذلك أن الرخصة ترتفع بارتفاع العذر الشاق المسبب لها: كالتيمم لعدم الماء أو لعدم القدرة على مسه، والإفطار والقصر للسفر الطويل، والجلوس في الصلاة لمن شق عليه القيام ... إلخ.
بخلاف ما شرع من الحاجيات الكلية مثل: القراض والمساقاة والمغارسة، وغيرها من العقود المستثناة من قاعدة المنع، والمباحة لعموم الحاجة، فأشبهت الرخصة وليست برخصة حقيقة؛ إذ حكم الرخصة يرتفع بارتفاع السبب الذي هو العذر، بخلاف ما أشبهها فلا يرتفع حكمه بارتفاع العذر فيه.
- وعرفها القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي صاحب كتاب جمع الجوامع بقوله: الحكم الشرعي إن تغير إلى سهولة لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي، فرخصة: كأكل الميتة – والقصر – والسلم – وفطر مسافر لا يجهده الصوم، واجبًا ومندوبًا ومباحًا وخلاف الأولى، وإلا فعزيمة.