على أننا لو آمنا بما قلناه في التنبيه الماضي من وجود هدف إنساني عام وهو الكمال وبناء المجتمع العابد، ولاحظنا أنه ليس لهذا الهدف حد ومجال متصور، عرفنا أن الحكومة تحتفظ بدورها في مختلف مراحل الوجود الاجتماعي للإنسان.
على أن ما يمكن تصوره من عوامل نقلت المجتمع من الشيوعية البدائية إلى المرحلة التي عملت الملكية فيها عملها في التقسيم الطبقي يمكن تصور وجوده في المرحلة الشيوعية أيضًا وبشكل أشد خطرًا. ومعه ألا نحتاج للهيئة المسلطة التي تمنع من هذا السير التحولي؟
وعلى أي حال فإن الواقعية تقتضي تكذيب الماركسية والتأكيد على ضرورة الحكومة في كل عصر إنساني خصوصًا مع ملاحظة الوظائف المتشعبة التي تقوم بها في هذا العصر كما في التخطيط الصناعي والزراعي والصحي وأمثال ذلك.
وقد أكد المفكرون هذه الضرورة ومنهم أرسطو الذي اعتبرها من عمل الطبع و"إن الإنسان بالطبع كائن اجتماعي وإن الذي يبقى متوحشًا ـ بحكم النظام لا بحكم المصادفة ـ هو على التحقيق إنسان ساقط أو إنسان أدنى من النوع الإنساني"(١) .
هذا ونقل عن "المذهب الفوضوي" قوله بعدم ضرورة الحكومة مستدلين بأن طبيعة الإنسان خيرة وعاقلة فلا حاجة للحكومة , وأنها تجر المصالح لطبقة خاصة وتهمل مصالح الأفراد، وأنها تقيد الحرية الفردية وأمثال ذلك.
وهذه أمور لا نرى حاجة في تفنيدها أو تفنيد تسويغها لعدم الحكومة. أما رأي الإسلام فسوف نستعرضه إن شاء الله.