وإذا كان التحول من الاشتراكية وزوال الحكومة تدريجيًّا.. فهذا يناقض ـ قبل كل شيء ـ قوانين الديالكتيك التي ترتكز عليها الماركسية , فإن قانون الكمية والكيفية في الديالكتيك يؤكد: إن التغيرات الكيفية ليست تدريجية بل تحصل بصورة فجائية، وتحدث بقفزة من حالة إلى أخرى، وعلى أساس هذا القانون آمنت الماركسية بضرورة الثورة في مطلع كل مرحلة تاريخية بوصفها تحولًا آنيًّا. فكيف بطل هذا القانون عند تحول المجتمع من الاشتراكية إلى الشيوعية.
والتحول التدريجي السلمي من المرحلة الاشتراكية إلى الشيوعية كما يناقض قوانين الديالكتيك كذلك يناقض الأشياء. إذن كيف يمكن أن نتصور أن الحكومة في المجتمع الاشتراكي تتنازل بالتدريج عن السلطة وتقلص ظلها حتى تقضي بنفسها على نفسها، بينما كانت كل حكوم أخرى على وجه الأرض تتمسك بمركزها وتدافع عن وجودها السياسي إلى آخر لحظة من حياتها؟ فهل هناك أغرب من هذا التقليص التدريجي الذي تتبرع بتحقيقه الحكومة نفسها فتسخو بحياتها في سبيل تطوير المجتمع؟ بل هل هناك ما هو أبعد من هذا عن طبيعة المرحلة الاشتراكية والتجربة الواقعية التي تجسدها اليوم في العالم؟ فقد عرفنا إن من ضرورات المرحلة الاشتراكية قيام حكومة دكتاتورية مطلقة السلطان، فكيف تصبح هذه الدكتاتورية المطلقة مقدمة لتلاشي الحكومة واضمحلالها نهائيًّا؟ وكيف يمهد استفحال السلطة واستبدالها إلى زوالها واختفائها؟
وأخيرًا فلنجنح مع الماركسية في أخيلتها، ولنفترض أن المعجزة قد تحققت، وأن المجتمع الشيوعي قد وجد، وأصبح كل شخص يعمل حسب طاقته، ويأخذ حسب حاجته أفلا يحتاج المجتمع إلى سلطة تحدد هذه الحاجة، وتوفق بين الحاجات المتناقضة فيما إذا تزاحمت على سلعة واحدة، وتنظم العمل وتوزعه على فروع الإنتاج؟ (١) .
وهذه النقطة الأخيرة أمر مهم يوضح ضرورة الدولة في أي مجتمع حتى المجتمع الخيالي الشيوعي الذي يفترض فيه ذوبان غريزة حب الذات من الإنسان ـ وهو أمر ينكره وجدان الإنسان ـ وعمق هذه الغريزة الضارب في وجود أي إنسان. نعم حتى في ذات المجتمع توجد فراغات وشؤون عامة تحتاج فيها إلى سلطة تقوم على ملئها وتسييرها.
ويتوضح هذا عندما ندرك وظائف الحكومة اليوم وتعقدها وأنها ليست كلها قائمة على أساس تناقض المصالح الطبقية.