وخلاصة القول: إن كل ما طرح من شبهات حول الأحاديث والسنة لا يمكنه أن يصمد للنقد والاعتراض.
نقطتان هامتان: وهنا نود أن ننبه إلى نقطتين هامتين في ختام هذا البحث هما:
النقطة الأولى: أننا إذا رفضنا هذا الاتجاه الخطر فإن ذلك لا يعني مطلقًا أن نتجه إلى قبول كل ما يرد عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من دون تمحيص وتحقيق في المتون والأسانيد، بل حتى إننا لا نجيز أن يعتمد العلماء على استنتاجات غيرهم من العلماء في هذا السبيل إلا أن تكون شهادة، كلا وإنما تجب ملاحظة الأسانيد والرواة فردًا فردًا، والتحقق من توفر الوثوق المطلوب، وعدم التنافي الثابت مع القرآن الكريم والسنة المقطوع بها، وإننا لنرى من المناسب أن ننقل نصًّا جاء عن علي (ع) تلميذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جواب من سأله عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر , فقال: إن في أيدي الناس حقًّا وباطلًا، وصدقًا وكذبًا وناسخًا ومنسوخاً، وعامًّا وخاصًّا، ومحكمًا ومتشابهًا، وحفظًا ووهمًا، ولقد كذب على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على عهده حتى قام خطيبا فقال:((من كذب علي متعمدًا فليبتوأ مقعده من النار)) وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس:
رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام، لا يتأثم، ولا يتحرج.. فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله شيئًا لم يحفظه على وجهه فوهم فيه ولم يتعمد كذبًا فهو في يديه ويرويه، ويعمل به ويقول أنا سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه ولو علم أنه كذلك لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئًا يأمر به، ثم إنه نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ , فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه إنه منسوخ لرفضوه.
وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفًا من الله، وتعظيمًا لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولم يَهِمْ بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه، فهو حفظ الناسخ فعمل به وحفظ المنسوخ فجنب عنه، وعرف الخاص والعام، والمحكم والمتشابه فوضع كل شيء موضعه.. [نهج البلاغة، صبحي الصالح: ص ٣٢٥ ـ ٣٢٧] .
بهذه الدقة يتعرض تلميذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الرواة في عصره وهو ألصق ما يكون بعصر الرسول فكيف بنا ونحن نعيش هذا الفاصل الزمني البعيد؟ إن الأمر يتطلب ـ لا محالة ـ جهدًا وبذلًا للوسع في هذا المجال. وهذا ما يقودنا إلى التأكيد على النقطة الثانية.