سادسًا: وذكروا أن هناك الكثير من الروايات المفتراة فكيف نتأكد من الصدور والحال هذه؟
والجواب على هذا واضح بعد الذي قدمناه , إذ أننا بعد التجاوز عما يؤدي إلى العلم بالمضمون من الروايات قلنا: إن الشارع عبدنا بمضمون أخبار الآحاد التي يرويها الثقات , وأكمل كشفها الناقص تعبدًا لا وجدانًا فنحن معذورون إذا عملنا بها وخالفت الواقع وهي منجزة علينا فليس لنا المخالفة فما علينا إذن إلا الفحص والتمحيص الدقيق في السند والمتن والمداليل، ومتى ما انتهى البحث فنحن معذورون أمامه تعالى.
سابعًا: وربما طرح بعضهم شبهة تقول إن تعليمات الرسول خصوصًا في المجال الاجتماعي كانت تقتضي كونه وليًّا للأمر لا مخبرًا عن الشارع المقدس، أو على الأقل يقال بوقوع الخلط بين ما يصدر بصفة الولي وما يصدر بصفة المشرع.
ولكن الواقع هو أنه كانت تصدر منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تلك التعليمات باعتباره حاكمًا لها جانب مؤقت ولكن كل تلك التعليمات كانت تحمل معها قرائنها اللفظية والحالية وهي أمور متميزة عند العلماء , ولو من قياس حالها إلى الحالة السارية عمومًا، وهل يشك أحد بأن الأمر بحفر الخندق مثلًا كان أمرًا وقتيًّا متناسبًا مع تلك الحرب بظروفها؟
ثامنًا: وقد طرحت فكرة اجتهاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأمور الأمر الذي لا يعبر عن تشريع خالد والذي نعتقده أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان لا يعدو بيان الواقع التشريعي الخالد من خلال وصوله إليه بالوحي أو بيان التعليم الاجتماعي اليومي بصفته ولي الأمر، وفي المجال الثاني هذا كان يتم التشاور والعزم لا في المجال الأول، والفرق بين المجالين واضح للمتأملين، أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ملتزمًا تمام الالتزام بعرض الواقع التشريعي قبل كل شيء وعدم إبداء أي رأي من عنده، بل لقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد التحم بالوحي والحقيقة فلا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
تاسعًا: ولما لم يجدوا ما ذكروه راحوا يركزون على أن خبر الواحد لا يفيد إلا ظنًّا وأن الظن لا يغني من الحق شيئًا غافلين عن أن الأدلة القطعية التي سبقت لحجية خبر الواحد استثنت هذا الظن وأمثاله من عموم النهي عن اتباع الظن وأنزلته منزلة العلم باعتباره السبيل العقلاني الطبيعي للوصول إلى الشريعة، وأنه لا يمكن تكليف الناس جميعًا بتحصيل العلم بكل موارد الإسلام وأحكامه.
فالظن المنهي عنه هو الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل قطعي.
عاشرًا: وأخيرًا راح بعض الأشخاص يستعرض بعض الروايات التي ادعى أنها تخالف العقل والعلم ولأجل التقليل من أهمية المجموع الروائي العام، ونحن نسمع كثيرًا عن مخالفة العقل هذه وعند التأمل نجدها تخالف ذوقًا عقلانيًا مثلًا أو ميلًا عامًا دون أن تصل إلى مستوى المخالفة القطعية. نعم لو وصلت إلى هذا الحد ـ وذلك بعيدٌ جدًّا ـ فقدت الوثوق المطلوب. أما قصة مخالفة البحوث العلمية فيجب فيها أن نتذكر التغييرات الكبيرة التي تطرأ على هذه البحوث وعدم قطعيتها وأنها فرضيات متغيرة.