ثالثًا: راح بعض الأشخاص يتحدث عن روايات تتنافى مع القرآن الكريم، ولكنه لم يستطع أن يذكر إلا بعض الروايات. على أن الكثير مما يذكر كمصداق لذلك يرجع إلى تخصيص أو تقييد لمطلق قرآني وهو أمر واقع بشروطه المذكروة في محلها. نعم إذا رأينا الخبر منافياً تمامًا لمضمون القرآن ضربنا به عرض الجدار ولم يكن إلا زخرفًا.
رابعًا: راح بعض الناس يذكر أن الأحاديث كانت موجهة للمخاطبين بها بالفعل فلا تشمل غير عصرهم من العصور.
وهذه الشبهة هي من أوهى الشبهات؛ ذلك أن المسلم به الواضح في خلد جميع المسلمين والموحى به من تعليمات القرآن أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحدث لا مع عصره فحسب , بل مع كل العصور، وأن حلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، وأنه أسوة حسنة لكل المؤمنين عبر التاريخ.. مما أوجد لدى المسلمين آنذاك قاعدة الاشتراك، أي اشتراك غيرهم معهم في الأحكام، فمتى ما شك في اختصاصهم هم بحكم، أو حتى اختصاص الرسول بحكم دونهم جاءت قاعدة الاشتراك حاكمة في البين.
خامسًا: وراح هؤلاء يسوقون الأمثلة على تغير المصطلحات عبر الفترات الزمانية فمصطلحات (الوطن) و (الاشتراكية) و (الرعية) وغير ذلك قد تغيرت رأسًا على عقب، ومن هنا فما أدرانا أن ما نفهمه من الروايات هو المقصود الواقعي منها.
ونحن لا نشك في أن بعض ظواهر اللغة والكلام متطورة عبر مؤثرات مختلفة لغوية وفكرية وإشراطات تاريخية معينة، فيختلف المعنى الظاهر في عصر الصدور عن ما يظهر في عصر آخر. والمعول عليه هو الظهور في عصر الصدور لا غيره.
إلا أن هناك أصلًا عقلانيًّا ممضى حتمًا من قبل الشارع المقدس بالإقرار يسمى بـ (أصل عدم النقل) أو كما يسميه العالم الشهيد السيد الصدر بـ (أصالة الثبات في اللغة) يحل المشكلة موضحًا أن العقلاء يبنون على هذا الأصل باعتبار البطء في حدوث أي تغيير في المفهوم من اللفظ مما يجعله في نظرهم أمرًا استثنائيًّا، فمتى ما شككنا في تغير ما بنينا على عدمه فلا مشكلة في البين مطلقًا.