للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يدعونا لأن نتطلب وجود ما يعصم الأمة عن التفرق والتمزق والعقيدة من الانقلاب على أهدافها فما هو هذا المرجع الذي يجب الرجوع إليه؟

ما يبدو من الآية والروايات الشريفة أمران هما:

(أ) الآيات المحكمات:

ويفهم الإرجاع إليها من جعلها أمًّا للكتاب، والأمية لا ريب تعني المرجعية فهي التي تنفي إدخال صور باطلة في تصور الإنسان عن الآية أو إدخال مصاديق باطلة للمفهوم منها، ويحتاج هذا إلى رسوخ علمي في نفسه.. ويبقى مجال كبيرة للتشابه خصوصًا لأولئك الذين في قلوبهم مرض ليغروا به الآخرين.

(ب) الراسخون في العلم:

وهم المرجع الثاني والأكثر عمومية لحل التشابه، فهم الذين يفسرون الدستور الإلهي، ويعطون تفصيلاته ولهم يرجع في الفصل بين الحق والباطل، فهم محور وحدة الأمة وملجأ العلم ومنتهى السبل. ولكن من هم هؤلاء الراسخون في العلم؟ إن الروايات المتواترة معنى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتركز بصورة عامة على مرجعية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأهل البيت للأمة في كل ما يبدو لها من غموض في كل شيء ومن جوانب الغموض هذا التشابه الذي يلاحظ في بعض الآيات القرآنية وأهم هذه الأحاديث حديث الثقلين الذي سلمت به الفرق الإسلامية.

والذي أكد اقتران العترة بالكتاب ولزوم التمسك بهما معًا وأن الرجوع إليهما معًا عاصم من الضلال , وأنهما لن يفترقا إلى يوم القيامة , وهكذا الأحاديث النبوية المختلفة في علم الإمام (ع) مثل حديث ((أنا مدينة العلم وعلي بابها)) ولقد أكد أهل البيت على مرجعيتهم في كل الأمور , فهذا نهج البلاغة يصفهم بأنهم: موضع سر النبي، وملجأ أمره، وأنهم أساس الدين وعماد اليقين إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، وهم أزمّة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق، وهم كمثل نجوم السماء إذا خوى نجم طلع نجم، وهم شجرة النبوة ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم وعندهم أبواب الحكم وضياء الأمر، وإن نطقوا صدقوا، وإن صمتوا لم يسبقوا، وهم عيش العلم وموت الجهل وإن بهم عاد الحق إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه (١) .

ويقول الإمام في نص رائع يعين المرجع في الشبهة "فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح من الأجرب، والباري من ذي السقم، واعملوا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه , فالتمسوا ذلك من عند أهله فإنهم عيش العلم وموت الجهل. هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم وصمتهم عن منطقهم وظاهرهم عن باطنهم , لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق، وصامت ناطق" (٢) .


(١) راجع: ص ٧٣٤، نهج البلاغة ـ صبحي الصالح
(٢) نهج البلاغة، صبحي الصالح: ص ٢٠٥ ـ ٢٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>