ملاحظات حول الوجوه السابقة:
الملاحظة الأولى:
هي أنه يلزمنا أن نلحظ هذه الوجوه كلها أو أكثرها ـ لو تمت في نفسها ـ ونعتبرها ردًّا على سؤال: لم ورد المتشابه في القرآن الكريم؟
وذلك لأن البعض منها إنما يصح في بعض الآيات المتشابهة دون غيرها، وقد التفت إلى هذه النقطة بعض الباحثين.
الملاحظة الثانية:
إن بعض الوجوه السابقة لا يمكن المساعدة عليه، وخصوصًا الوجه الأخير، فإن القرآن هو الفارق بين الحق والباطل وهو المقياس الحق ولا يمكن لهذا المقياس أن يكون عامًا مضللًا يُمَكّن كلًّا من تصحيح مذهبه والتمسك به ضد الآخرين.
وكذا بالنسبة للوجه الخامس في قسمه البلاغي، فإن البلاغة تركز أول ما تركز على إيصال المعنى بالدقة وبإطار لفظي جميل إلى السامع، أما الإبهام والتشابه فقد يتنافى والغرض البلاغي اللهم إلا إذا كان هناك غرض آخر يستدعيه.. فلا يمكن أن يكون التشابه معللًا بأنه ضرب من ضروب البلاغة أو ناتج لها.
الملاحظة الثالثة:
إن أكثر ما ورد من وجوه قد تعتبر تسويغات لما وقع ولذا فإن روح المسألة تتركز في الحكم الثلاث (الثالثة، والرابعة، والسادسة) والتي يمكن جمعها تحت عنوان: "عدم إمكان خلو القرآن من المتشابه" وذلك بعد ملاحظة دور القرآن كموضح لأعمق الحقائق، وكدستور عام، وكهادٍ يمنح كلًّا بمقدار ما يستطيع تقبله.
هذا هو روح الجواب وما ذكره من وجوه أخرى فهي ترتبط به وتدور حوله.
الملاحظة الرابعة:
إن أهم إشكال يمكن أن يورد على وجود المتشابه يلخص في تعبيرين:
الأول: أن القرآن الكريم هدى، ونور، وذكر، وفرقان، وحكيم، وما شابه ذلك في حين أن التشابه لا ينسجم مع هذه الصفات؛ لأنه يوقع الإنسان في حيرة من معرفة الحقيقة وربما كان بعض ما فيه لا يمكن معرفته مطلقًا.
الثاني: ما ذكره الفخر الرازي من أن وجود المتشابه في القرآن كان سببًا لاختلاف المذاهب والآراء وتمسك كل واحد منها بشيء من القرآن بالشكل الذي ينسجم مع مذهبهم ونضيف على هذا فنقول:
إن بعض الآيات التي يشير إليها المستشكلون قد تُجعل ـ بل جُعِلت ـ ذريعة للتمسك بعقائد تتناقض تمام التناقض مع العقيدة الإلهية بل تقضي عليها من الأساس وهذا يعني نقض الغرض الذي جاءت من أجله الرسالة.. وهذا من مثل عقيدة التجسيم الذي يساوق تقديم صورة هزيلة عن الله تعالى مما ينتهي إلى إنكاره في الواقع وكذا من مثل عقيدة الجبر التي تنفي المسؤولية الأخلاقية وتوجد مشاكل كبرى، وعقيدة نفي العصمة عن الأنبياء التي تنتهي إلى التشكيك في أقوالهم وغير ذلك.
وعليه فإن هذا الإشكال ـ بهذين التعبيرين ـ لا يمكن أن يدفع بهذه الوجوه التي مهما تصاعدت قيمتها فإنها قد لا تعادل هذا الخسران الأساس الكبير الذي يجر الأمة إلى الضياع والتمزق ويقضي على العقيدة ويفقد القرآن ـ والعياذ بالله ـ صفته الهادية، أو أن يقال بتعادل الربح والخسران.