للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عبر ابن اللبان في كتابه "رد الآيات المتشابهات إلى الآيات المحكمات" عن رأي أخص من هذا فقال بتلخيص من صاحب المناهل: "ليس في الوجود فاعل إلا الله، وأفعال العباد منسوبة الوجود إليه تعالى بلا شريك ولا معين فهي في الحقيقة فعله وله بها عليهم الحجة لا يسأل عما يفعل وهم يسألون".

ومن المعلوم أن أفعال العباد لا بد فيها من توسط الجوارح مع أنها منسوبة إليه تعالى وبذلك يعلم أن لصفاته تعالى في تجلياتها مظهرين: مظهرًا عباديًّا منسوبًا لعباده وهو الصور والجوارح الجثمانية، ومظهرًا حقيقيًّا منسوبًا إليه، وقد أجرى عليه أسماء المظاهر العبادية المنسوبة لعباده على سبيل التقريب لإفهامهم والتأنيس لقلوبهم , ولقد نبه تعالى على قسمين، وأنه منزه عن الجوارح في الحالين، فنبه على الأول بقوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} (١) .

فهذا يفيد أن كل ما يظهر على أيدي العباد فهو منسوب إليه تعالى، ونبه على الثاني بقوله فيما أخبر عنه نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صحيح مسلم ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها)) وقد حقق الله ذلك لنبيه بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} (٢) . وبقوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (٣) وبهذا يفهم ما جاء من الجوارح منسوبًا إليه تعالى فلا يفهم من نسبته إليه تشبيه ولا تجسيم، ولكن الغرض من ذلك التقريب للأفهام والتأنيس للقلوب ... " (٤) .


(١) سورة التوبة: الآية ١٤
(٢) سورة الفتح: الآية ١٠
(٣) سورة الأنفال: الآية ١٧
(٤) مناهل العرفان: ٢/ ١٩٣ ـ ١٩٤

<<  <  ج: ص:  >  >>