٣ ـ تقريب الأمور العميقة إلى الأفهام:
ويتوضح ملخص ما ذكره العلامة الطباطبائي في هذه الحكمة بمتابعة الخطوات التالية:
أولًا: إن الارتباط بالله تعالى والمعاد وما إلى ذلك من تفصيلات العالم الغيبي أمر ضروري للإنسان بل هو روح التصور الإسلامي عن الواقع.. وهذا يستدعي أن يعرف المسلمون القدر الضروري عن نوعية هذه العلاقة.
ثانيًا: إن الإنسان حبيس ضعفه وتصوراته الخاصة الحسية والعقلية التي توفرت له خلال حياته.. ومختلف مراتب الناس على ضوء كمية التصورات التي لديهم.
ثالثًا: وعلى ضوء مما سبق ولأجل الكشف عن القدر الضروري لنوعية العلاقات الآنفة لجميع الإنسانية فقد اتبع القرآن أسلوب التمثيل والتشبيه ليقرب تلك المعاني العالية إلى الإذهان فيقرب الأمر المعنوي المجرد إلى الأذهان المختلفة عبر ذلك التمثيل بحقائق حسية.
رابعًا: إلا أن من الواضح أن الممثل قد لا يتوافق مع الممثل به في مختلف الجوانب والخصائص خصوصًا وهما من عالمين مختلفي القوانين والأحكام (عالم المجردات وعالم الماديات)
وعدم التوافق هذا قد يجر إلى محذورين يخالفان الغرض الأساس لهذا التمثيل وهو الهداية القرآنية:
(أ) نقل الخصائص الحسية للممثل به إلى الممثل وهذا يعني تغير الحقيقة وانقلاب الغرض.
(ب) وقد يلتفت الإنسان إلى الفرق بين الممثل والممثل به فيبدأ بعملية تجريد الممثل به من الخصوصيات مما قد يؤثر في تشويه الصورة المطلوبة إعطاؤها إما بزيادة أو نقصان.
خامسًا: وتخلصًا من هذه المحاذير يلجأ القرآن إلى توزيع المعاني التي يريد إعطاءها إلى أمثال مختلفة وإعطاءها صيغًا مختلفة حتى يفسر بعضها بعضًا وينتهي الأمر إلى تصفية عامة تنتج ما يلي:
(أ) إدراك القارئ للقرآن أن هذه الصور هي مجرد أمثال لا تعبر عن كل الحقيقة ولا تكسب الواقع العيني كل خصائصها.
(ب) بجمع هذه الأمثال إلى بعضها ينفي بكل واحد منها الخصوصيات الحسية الموجودة في المثال الآخر.
وبذلك تتحقق الهداية القرآنية العامة ويتخلص من نقائص هذا الأسلوب الذي لا مفر منه (١) .
(١) الميزان: ٣/ ٥٨ إلى ص ٦٥