للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الفخر الرازي أيضا: "متى كانت المتشابهات موجودة كان الوصول إلى الحق أصعب وأشق، وزيادة المشقة توجب مزيد الثواب".

كما أنه قد يعبر عنه بلسان آخر هو: "لسان ظهور التفاضل وتفاوت الدرجات العلمية".

وهذا ما جاء في المجمع حيث يقول: "ولكان لا يتبين فضل العلماء على غيرهم" (١) .

ونقل السيوطي عن بعضهم قوله: "ومنها ظهور التفاضل وتفاوت الدرجات، إذ لو كان كله محكمًا لا يحتاج إلى تأويل ونظر لاستوت منازل الخلق ولم يظهر فضل العالم على غيره" (٢) .

ويرى السيد الحكيم: "أن نوعا من المتشابه وهو الذي لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم إنما ورد في القرآن الكريم بهذا الأسلوب كبعض المسائل الكونية وغيرها لينطلق في تدبر حقيقتها واكتشاف ظلماتها المجهولة" (٣) .

هذا ومما لا ريب فيه أن القرآن الكريم أوجد بنزوله مرحلة فكرية جديدة ونقل المجتمع من حضيض التفكير الجامد الضيق إلى سمو فكري متفتح ونضج بلغ في مراحله التالية إلى مستوى فلسفي لاتصله أية فلسفة ومستوى علمي جوال قاد العالم خلال قرون ومستويات فكرية تشريعية وأخلاقية ما رأى الكون لها مثيلًا.

يقول الدكتور محمد يوسف موسى: "إن القرآن كان من أهم العوامل التي دفعت المسلمين إلى التفلسف ثم بيان ما اشتمل عليه من فلسفة، سواء ما يتعلق منها بالإنسان، وما يتعلق بالله وصلته جل وعلا بالإنسان، ومن الحق أن القرآن قبل كل شيء هو كتاب العقيدة الحقة، والشريعة الصالحة لكل زمان ومكان , والأخلاق التي لا يقوم مجمع سليم إلا بها" (٤) .

ويقول السيد الأستاذ الخوئي: "لأنه الكتاب الذي يضمن إصلاح البشر ويتكفل بسعادتهم وإسعادهم، والقرآن مرجع اللغوي ودليل النحوي، وحجة الفقيه، ومثل الأديب، وضالة الحكيم، ومرشد الواعظ، وهدف الخلقي، وعنه تؤخذ علوم الاجتماع والسياسة المدنية وعليه تؤسس علوم الدين، ومن إرشاداته تكتشف أسرار الكون ونواميس التكوين".. (٥) .

ويقول الأستاذ المطهري: "إن الفلاسفة المسلمين استطاعوا بإلهام من القرآن الكريم وكلمات الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأئمة الأطهار (ع) أن يوجدوا مدرسة فلسفية تعتمد الاستدلال المنطقي المتقن" (٦) .

ولعل من أهم الدوافع نحو الفلسفة بالخصوص والتوسع الفكري على العموم وجود هذه الآيات المتشابهة على اختلاف أصعدتها الفلسفية والعلمية والاجتماعية والتي تدفع المسلم المتأمل في القرآن بحكم تطلعه إلى فهم معناها، تدفعه لذلك التوسع.


(١) مجمع البيان: ٢/ ٤١٠
(٢) المناهل: ٢/ ١٩٣
(٣) مجلة رسالة الإسلام، العدد ٥، ٦ السنة الثانية: ص ٣٢
(٤) القرآن والفلسفة: ص ٥
(٥) البيان في تفسير القرآن: ص ٣
(٦) علل الانحراف نحو المادية، ص ١٦٧، طبع مشهد، انتشارات طوس

<<  <  ج: ص:  >  >>