للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ ـ الدفع نحو التعمق والتوسع الفكري:

وقد ذكر عبده أيضًا أن وجود المتشابه "كان حافزا للعقل المؤمن إلى النظر كي لا يضعف فيموت فإن السهل الجلي جدًّا لا عمل للعقل فيه، والعقل أعز القوى الإنسانية التي يجب تربيتها، والدين أعز شيء على الإنسان فإذا لم يجد العقل مجالًا للبحث في الدين يموت عامل العقل فيه، وإذا مات فيه لا يكون حيًّا بغيره" (١) .

وذكر العلامة الطبرسي ذلك باختصار حيث قال: "فإن قيل لم أنزل الله تعالى القرآن المتشابه؟ وهلا جعله محكمًا؟ فالجواب: أنه لو جعل جميعه محكمًا لاتكل الناس كلهم على الخبر واستغنوا عن النظر...." (٢) .

كما أن الفخر الرازي ذكر ما يقرب من هذا المعنى حيث قال في هذا الصدد: "باشتمال القرآن على المحكم والمتشابه، يضطر الناظر فيه إلى تحصيل علوم كثيرة مثل اللغة والنحو وأصول الفقه مما يعينه على النظر والاستدلال" ثم يقول:"باشتمال القرآن على المحكم والمتشابه يضطر الناظر فيه إلى الاستعانة بالأدلة العقلية فيتخلص من ظلمة التقليد، وفي ذلك تنويه بشأن العقل والتعويل عليه، ولو كان كله محكمًا لما احتاج إلى الدلائل العقلية، ولظل العقل مهملا.." وأخذ هذا المعنى الشيخ صبحي الصالح فقال: "لعل اشتمال القرآن على المتشابه وعدم اقتصاره على المحكم وحده، أن يكون حافزًا للمؤمنين على الاشتغال بالعلوم الكثيرة التي تقودهم على فهم الآيات المتشابهات فيتخلصون من ظلمة التقليد، ويقرأون القرآن متدبرين خاشعين" (٣) .

ولربما عبر عن هذا المعنى بلسان آخر وهو حصول الثواب بإعمال النظر في القرآن الكريم وهو ما قاله المرحوم الطبرسي من أنه: "لولا وجود المتشابه لكان لا يحصل لهم ثواب النظر واتعاب الخواطر في استنباط المعاني" (٤) .


(١) رشيد رضا، تفسير المنار: ٣/ ١٧٠
(٢) مجمع البيان: ٢/ ٤١٠
(٣) مباحث في علوم القرآن: ص ٢٨٦
(٤) مجمع البيان: ٢/ ٤١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>