للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآراء في هذا المجال:

نستطيع أن نحصر أهم ما قيل في توضيح الحكمة من مجيء كل الآيات المتشابهة أو بعضها وذلك في نقاط كما يلي:

١ ـ الامتحان والتربية على الاستسلام والخضوع:

فقد ذكر الشيخ محمد عبده: "إن الله سبحانه أنزل المتشابه ليمتحن قلوبنا في التصديق به فإنه لو كان كل ما ورد في الكتاب واضحًا لا شبهة فيه عند أحد من الأذكياء ولا من البلداء لما كان في الإيمان به شيء من معنى الخضوع لما أنزل الله تعالى والتسليم لما جاءت به رسله" (١) .

ويؤكد هذا بالالتفات إلى ما قالته الآية: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} في حين {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} (٢) .

وقد أكد هذا الرأي صاحب (مناهل العرفان) فقال في مجال تعداد حكم بعض أنواع المتشابه: "ثانيتهما الابتلاء والاختبار أيؤمن البشر بالغيب ثقة بخبر الصادق أم لا؟ فالذين اهتدوا يقولون: آمنا , وإن لم يعرفوا على التعيين , والذين في قلوبهم زيغ يكفرون به وهو الحق من ربهم، ويتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة والخروج من الدين جملة" (٣) .

ونقل السيوطي عن بعضهم أنه ذكر فوائد للمتشابه الذي استأثر الله بعلمه ومنها: "ابتلاء العباد بالوقوف عنده والتوقف فيه والتفويض والتسليم ... " (٤) .

ثم قال: "ورابعتها إقامة دليل على عجز الإنسان وجهالته مهما عظم استعداده وغزر علمه، وإقامة شاهد على قدرةالله الخارقة، وأنه وحده هو الذي أحاط بكل شيء علما وأن الخلق جميعًا لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، وهناك يخضع العبد ويخشع ويطأ من كبريائه ويخضع" (٥) .

ومما لا ريب فيه أن الامتحان والابتلاء يشكل نوعًا أساسًا من أنواع تربية الإنسان المسلم على أن يتحلى بالصفات التي يريد الله أن تتقوم شخصيته بها , وأهم هذه الصفات بل الملكات المتأصلة صفة التعبد والاستسلام لله تعالى في كل شيء يثبت أنه منه تعالى عرف الحكمة فيه أم لم يعرف، وقد وضع الإسلام لغرس هذه الملكة في أعماق المسلم برنامجًا واسعًا وأساليب مختلفة يمكن أن يذكر منها ما نحن بصدده، كما يمكن أن يذكر منها أسلوب عرض قصص المستسلمين الأطهار (كإبراهيم وإسماعيل) وكذلك القصص التي تحكي الإلهية الواسعة التي هي فوق ما يتصوره الإنسان الحبيس في سجن ضعفه وإمكانه حتى لو كان ذلك الإنسان موسى (ع) .

ومنها نظام العبادات.. إلى غير ذلك مما ليس هناك محل ذكره.

وعليه فيقف الممتحن أمام هذه الآيات المتشابهة موقفين تبعًا لمسبقاته وتصوراته واستسلامه فإما الاغترار واتباع الرأي ابتغاء الفتنة وإما الاستسلام لله تعالى وإرجاع الأمر إليه.


(١) تفسير المنار: ٣/ ١٧٠
(٢) سورة آل عمران: الآية ٧
(٣) مناهل العرفان: ٢/١٧٨
(٤) مناهل العرفان: ص ١٩٣
(٥) مناهل العرفان: ص ١٧٩

<<  <  ج: ص:  >  >>