للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المنقول فالظاهر من كلام الفتاوى البزازية أنه لا يصح عقده فيه، ونصها: (وإذا جمع في البيع الجائز بين العقار والمنقول الذي لا يجوز فيه البيع الجائز بأن لم يكن تبعًا للعقار حتى فسد في المنقول لا يتعدى إلى العقار بل يجوز فيه، وهذا إشارة إلى أنه لا يجوز الوفاء في المنقول) .

والنص المنقول عن الفتاوى البزازية يحتوي على نقل من إجارات ((العدة)) ، وعلى تعليق محمد البزازي عليه بقوله: (وهذا إشارة إلى أنه لا يجوز الوفاء بالمنقول) .

وهذه التفرقة مبناها وأساسها استحسان بعض المتأخرين كما ذكر ذلك البزازي ولكنه نقل عقب النص السالف أنه جاء في النوازل جواز الوفاء في المنقول (١) واستظهر ابن عابدين أن الخلاف جار في المنقول على القول بأن بيع الوفاء بيع جائز، أما على القول بأنه رهن فينبغي عدم الخلاف في صحته (٢) .

وعلل المنع بأن الوفاء يستلزم سلامة البدلين عند التفاسخ، والمنقول يضمحل قبله فلا يجد البائع وقت الفسخ ما يسلم له.

هذا وقد ذكر أبو عبد الله بيرم الثاني هذه العلة ولم يسلمها من كل الوجوه فقال: وأنت خبير بأن عدم السلامة إذ ذاك لا تعم سائر أنواعه بل تخص ما لا ينتفع به إلا باستهلاك عينه كالثمر والخبز واللحم دون ما ينتفع به من بقائها كالعبد والدابة فينبغي أن يخص المنع النوع الأول ولا يعم الثاني ولا يطلق القول فيها بجواز ولا منع.

وعلى هذا التفصيل يكون من النوع الثاني السيارات والشاحنات والسفن وأثاث البيوت ونحوها فلا يجري فيها المنع بل يجوز فيها الوفاء. ولكن هل يدخل في المنقول من النوع الثاني ما يعبر عنه بالسكنى لدى فقهاء الحنفية؟ الذي يبدو لأول وهلة جواز ذلك لأن فقه الأحناف يصرح بأن ما عبر عنه بالسكنى نقلي إذا كان شرط الوفاء غير مقترن بالعقد كما يجرون العقد البات عليها. لكن بعد التدبر في هذه المسألة يتضح بالعكس وهو عدم جواز جريان عقد الوفاء فيما يعبر عنه بالسكنى ولو مع عدم شرط القران، وذلك لأن السكنى مدخول فيها على شرط القران فصار معروفًا، والقاعدة الفقهية تقول: المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا. لكن سبق لنا أن النسفي يقول لمن استفتاه لا عبرة بالشرط المفسد إذا لم يذكر عند إبرام العقد باللسان وإن أضمر في الجنان وزور في النفس فهل لنا أن نجوز جريان الوفاء في السكنى تخريجًا على ما قاله النسفي؟

الجواب أن ما قاله النسفي نفسه مقيد بغير المعروف عرفًا وإنما هو أمر متعلق بالعاقدين وأما المعروف عرفًا فهو مذكور في العقد حكمًا.

الكفالة بمال الوفاء:

يتسنى للمتدبر في كتب الفقه الحنفي التي تناولت بالدراسة أو الإشارة ((بيع الوفاء)) أن يتصور المسألة بصورتين:

١- أن يضمن المشتري مال الوفاء للبائع.

٢- أن يضمن البائع مال الوفاء للمشتري.

وحكم الصورة الأولى أن الضمان صحيح، لأن الوفاء يترتب دينًا للبائع بذمة المشتري لمجرد العقد.

وأما حكم الصورة الثانية فالصحة أيضًا بشرط إضافة لزمن الفسخ، لا منجزة.

وعلة ذلك أن مال الوفاء ليس دينًا بذمة البائع للمشتري مدة قيام بيع الوفاء بينهما، وقبل فسخه، وإنما يصبح دينًا للبائع على المشتري بعد الفسخ لأن بيع الوفاء بالنسبة إلى المشتري يعتبر بيعًا باتًّا من أجل أن يباح له نزله ومنافعه، وما دام الأمر كذلك فما دفعه المشتري للبائع يعتبر ثمنًا للمبيع، وثمن المبيع لا يجوز بحال أن يكون دينًا للمشتري على البائع، وعقد البيع قائم بينهما، لأن المشتري ملك عوضًا عما دفع من الثمن وهو المبيع، فلو كان ما دفعه من ثمن مملوكًا له للزم من ذلك ملكه للمثمن والثمن الذي دفعه، وذلك غير جائز.

أما إذا فسخ العقد الوفائي بينهما فإن ما دفعه المشتري من ثمن يصبح دينًا على البائع كثمن المبيع بيعًا باتًّا بعد إقالة فإن المشتري يصبح دائنًا بثمن المبيع والبائع يصبح مدينًا بثمنه (٣) .

وأما بقية المسائل المتعلقة بأحكام الضمان في بيع الوفاء فقد وقعت الإشارة إليها فيما سبق.


(١) راجع الفتاوى البزازية: ٤/٤١٦، ٤/٤٠٩.
(٢) رد المحتار: ٤/٢٤٨.
(٣) أبو عبد الله محمد بيرم الثاني: الوفاء بمسائل بيع الوفاء تقدم ص٥٣ وجهًا وظهرًا، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>