إن هذه المسألة تعود على ما يبدو إلى أصل الخلاف داخل المذهب الحنفي في حكم بيع الوفاء في كثير من تفريعاتها.
فمن قال بأنه رهن قال:(لا يفوت المبيع، ولا يملكه المشتري وفاء ولا ينتفع به إلا بإذن مالكه وهو ضامن لما أكل من ثمره وأتلف من شجره، ويسقط الدين بهلاكه لو يفي ولا يضمن الزيادة، وللبائع استرداده إذا قضى دينه لا فرق بينه وبين الرهن في حكم من الأحكام) .
ولا يفوت على المشتري وفاء مال الوفاء قبل القبض فمن اشترى حقلًا ولم يحزه وشب فيه حريق هلك على البائع ولا يسقط من الدين شيء.
ومن قال بأنه بيع جائز فلا يفوت أصل المبيع بهذا البيع لأن معناه البيع النافذ الذي فيه أحد الخيارات، قال النسفي: اتفق مشايخنا في هذا الزمان فجعلوه بيعًا جائزًا مفيدًا بعض أحكامه وهو الانتفاع به، دون البعض وهو البيع لحاجة الناس إليه وتعاملهم به.
وعلى القول بأنه بيع جائز لازم كذلك، وكذلك الشأن في القول بأنه بيع مركب من الرهن والبيع الجائز.
وأما على القول بأنه بيع فاسد فقد سبق أن القائلين به اختلفوا بالنظر إلى ما يترتب عليه من الآثار والنتائج فمنهم من أعطاه أحكام البيع الفاسد كلها حتى فوات فسخه ببيع مشتريه بيعًا باتًّا، ومنهم من استثنى هذا منها وألحقه فيه ببيع المكره، وبيع المكره لا يمتنع حق الفسخ فيه بوجه من الوجوه، وللمكره أن ينقض كل تصرفات المشتري والعلة الجامعة بين بيع الوفاء وبين بيع المكره عدم الرضا ومن قال هؤلاء: إن بيع الوفاء لا يفوت بالبيع ولو تكرر فيه، ولهذا الإلحاق ذكره الزيلعي في باب الإكراه قال:(ومن مشايخ بخارى من جعل بيع الوفاء كبيع المكره) إلى آخر ما سلف. بقي أن من قال بأنه بيع بات وهو البيع القطعي فلا إشكال بأن المبيع يفوت بمجرد تمام عقد بيع الوفاء، ولعل ذلك ما يوحي به قول أبي عبد الله محمد بيرم الثاني في بيان متى يصلح بيع الوفاء طريقًا للتحيل على حل الربح ومتى لا يصلح فبين أنه على القول بأنه بيع بات فإنه يحصل غرض المشتري ولا يحصل غرض البائع. والظاهر أنه يعني فواته عليه بالبيع.