للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ما قاله الزاهدي الغرميني في القنية والبغية في القرن السابع للهجرة وهو صاحب اليد الباسطة في الخلاف والمذهب، ولو أن ابن وهبان صرح بأنه معتزلي العقائد حنفي الفروع وتصانيفه غير معتبرة ما لم يوجد مطابقتها لغيرها (١) .

وقد سبق أن أشرت إلى بيت المحبية وهي من المتون المعتمدة في الفقه الحنفي:

وجاز أن يستقرض المحتاج

بالربح إن كان له احتياج

وهذا يدعم ما ذهب إليه الزاهدي ويكون التعامل ببيع الوفاء أخف وطأة من التعامل بالربا عند الحاجة، قال أبو عبد الله محمد بيرم الثاني: ومما لا ريب فيه أن الناس إذا كانت لهم حاجة إلى التعامل ببيع الوفاء في تلك الأعصار (أي أوائل القرن الخامس تقريبًا) على فضلها فهم إليه في هذا العصر (القرن الثالث عشر) على وضوح اختلافه أحوج وقد فشا به التعامل في ديارنا فشوًا خارجًا عن الحد، وبرزت به الفتاوى والأحكام ممن أدركناهم من فقهاء الحنفية، ومنهم والدي (أبو عبد الله محمد بيرم الأول) رحمه الله تعالى منذ تصدر للإفتاء إلى أن لحق بربه (يوم الأربعاء آخر شوال عام أربعة عشر بعد المائتين والألف) وذلك خمس وأربعون سنة، ممن لم ندركه بالبلاغ عنه، فلا يفتي الآن أو يقضي فيه بغير هذا إلا من قصد الإضرار بالناس وأما منعهم من التعامل به جملة بعد هذا الفشو والحاجة الشديدة إليه فحامل لهم على الهجوم على الربا المجمع على تحريمه جهارًا لأن المضطر إذا أغلقت في وجهه الأبواب ارتكب المشاق الصعاب:

إذا لم تكن إلا الأسنة مركبًا

فلا يسع المضطر إلا ركوبها

(٢)

ويبدو لي من كلام فقهاء الحنفية أن أول ظهور بيع الوفاء كان بسمرقند وهذا يعتبر عرفًا خاصًّا، وجاء في الأشباه والنظائر للعلامة ابن نجيم: هل يعتبر في بناء الأحكام العرف العام، أو مطلق العرف ولو كان خاصًّا؟ المذهب الأول، قال في البزازية معزيًا إلى الإمام البخاري الذي ختم به الفقه: الحكم العام لا يثبت بالعرف الخاص، وقيل: يثبت ... وفي البزازية من البيع الفاسد في الكلام على بيع الوفاء في القول السادس من أنه صحيح قالوا: لحاجة الناس إليه فرارًا من الربا، فأهل بلخ اعتادوا الدين والإجارة وهي لا تصح في الكرم، وأهل بخارى اعتادوا الإجارة الطويلة ولا تمكن في الأشجار فاضطروا إلى بيعها وفاء وما ضاق على الناس أمر إلا اتسع حكمه.

وختم كلامه في هذه المسألة: (اعتبار العرف الخاص في بناء الأحكام العامة عليه أو عدم اعتباره) فقال: (والحاصل أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص، ولكن أفتى كثير من المشايخ باعتباره) (٣) . ومن المعلوم أن الفتاوى تأتي في الدرجة الثالثة في ترتيب مسائل الفقه الحنفي كما سلف.

وجاء في رد المحتار للعلامة ابن عابدين: أن مشايخ الحنفية أهل الاختيار اختلفوا في اعتبار العرف الخاص وعدم اعتباره في بناء الأحكام العامة عليه فقال أبو الليث: النسج بالثلث والربع لا يجوز عند علمائنا لكن مشايخ بلخ استحسنوه وأجازوه لتعامل الناس به.


(١) اللكنوي، الفوائد البهية في تراجم الحنفية: ٢١٢، ٢١٣.
(٢) الرسالة البيرمية: ص ٨ ظهرًا و ٩ وجهًا.
(٣) ١/٣١٥ - ٣١٧، بتصرف طبعة دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان: ١٤٠٥هـ/ ١٩٨٥م.

<<  <  ج: ص:  >  >>