للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥- القول بأن بيع الوفاء بيع مركب من الرهن والبيع الجائز البات، فهو رهن بالنظر إلى البائع، يسترد المبيع عند قضاء ما عليه من دين، ويجبر المشتري إن امتنع من ذلك كما يضمن المشتري المبيع للبائع بالهلاك والانتقاص ضمان الرهن، وهو بيع جائز بات بالنظر إلى المشتري في حق نزله، ومنافعه حتى يطيب له أكل ثمره، والانتفاع به سكنى وزراعة وإيجارًا.

وعلى هذا القول بتركب بيع الوفاء من الرهن والبيع الجائز البات جرى عمل شيوخ النسفي، قال العمادي: وفتوى جدي شيخ الإسلام برهان الدين وأولاده ومشائخ زمانهم على أن الملك يثبت للمشتري شراء جائزًا في زوائد المبيع ولا يغرم لو استهلكها وعليه استقر قول أيمة زماننا وأساتذتنا رحمهم الله - ومراد العمادي بجده البرهان: علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني صاحب الهداية وهو معدود في طبقة أهل الترجيح كما ذكره العلامة ابن كمال باشا (١) .

وحجة من قال بهذا القول: احتياج الناس إلى التعامل ببيع الوفاء، والقاعدة الفقهية أن القواعد تترك بالتعامل، وعملًا بهذه القاعدة جاز الاستصناع، ولو طبقنا قاعدة امتناع بيع المعدوم لما أبيح، و (ما ضاق على الناس أمر إلا اتسع) .

واحتياج الناس إلى الشيء، وتعاملهم به قاعدتان أساسيتان في المذهب النعماني يعلم ذلك كل من سبر خلجات أغوار هذا المذهب، وعلى ذلك يخرج ما جاء عن فقهاء المذهب الحنفي من أن المسلم إذا وقع في حرج وضيق، واضطر إلى المال، ولم يجد من يتعامل معه إلا بالربا ارتفعت عنه الحرمة، ويبقى تعلقها بالمقرض بالربا، وللضرورة والحاجة أحكام مقررة في الفقه الإسلامي قال في المحبية:

وجاز أن يستقرض المحتاج

بالربح إن كان له احتياج

وذكر العلامة ابن نجيم في البحر الرائق حين عرض لبسط الكلام في القول بتركب بيع الوفاء من البيع الصحيح والرهن أنه جعل ذلك لحاجة الناس إليه فرارًا من الربا (٢) ، وذكر في الأشباه والنظائر في القاعدة الخامسة: ((الضرر يزال)) حين عرض لقاعدة: ((الحاجة تنزل منزلة الضرورة)) ، وهي إحدى القواعد الستة المتعلقة بقاعدة: ((الضرر يزال)) ، فقال: (وفي القنية والبغية: يجوز للمحتاج الاستقراض بالربح) (٣) .


(١) الوفاء بمسائل بيع الوفاء، لأبي عبد الله محمد بيرم الثاني: ص٨ ظهرًا. بتصرف.
(٢) ٦/٩.
(٣) ١/٢٩٤، مع شرح السيد الحموي.

<<  <  ج: ص:  >  >>