للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٨ – هذا، وقد نَصَّ جماهير الأصوليين على أن الأمر في قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} ، لا يراد به الوجوب، وإنما هو للإرشاد (١) .

قال الفخر الرازي: " فإنه لا ينقص الثواب بترك الإشهاد في المداينات، ولا يزيد بفعله " (٢) . وقال الآمدي: " وهو قريب من الندب لاشتراكهما في طلب تحصيل المصلحة غير أن الندب لمصلحة أُخْرويَّة، والإرشاد لمصلحة دنيوية " (٣) .

وقد أورد التاج السبكي في المسألة تفصيلًا حسنًا وأَتَى فيها بتحقيق فريد حيث قال: "والفرق بين الندب والإرشاد: أن المندوب مطلوب لثواب الآخرة، والإرشاد لمنافع الدنيا، ولا يتعلق به ثواب البتة، لأنه فعل متعلق بغرض الفاعل ومصلحة نفسه. وقد يقال: إنه يُثاب عليه لكونه ممتثلًا، ولكن يكون ثوابه أنقص ثواب الندب لأن امتثاله مشوب بحظ نفسه. ويكون الفارق إذًا بين الندب والإرشاد إنما هو مجرد أنَّ أحدهما مطلوب لثواب الآخرة، والآخر لمنافع الدنيا.

والتحقيق: أن الذي فعل ما أمر به إرشادًا؛ إن أتى به لمجرد غرضه فلا ثواب له، وإن أتى به لمجرد الامتثال غير ناظر إلى مصلحته ولا قاصد سوى مجرد الانقياد لأمر ربه فيثاب، إن قصد الأمرين أثيب على أحدهما دون الآخر، ولكن ثوابًا أنقص من ثواب من لم يقصد غير مجرد الامتثال " (٤) .


(١) انظر: الفصول في الأصول، للجصاص: ٢/٧٨؛ والتلويح على التوضيح: ١/٢٨٢؛ فواتح الرحموت: ١/٣٧٢؛ والمحلى على جمع الجوامع وحاشية العطار عليه: ١/٤٦٩؛ وشرح الكوكب المنير: ٣/٢٠؛ ونهاية السول: ٢/١٠؛ والمحصول ج ١ ق ٢/٥٨؛ والأحكام للآمدي: ٢/٢٠٧؛ والإبهاج: ٢/١٧؛ والمدخل إلى مذهب أحمد ابن حنبل: ص١٠٢.
(٢) المحصول: ج ١ ق ٢/٥٨.
(٣) الأحكام في أصول الأحكام: ٢/٢٠٧.
(٤) الإبهاج في شرح المنهاج: ٢/١٧، ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>