للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في " خزانة الأكمل ": " صرَّاف كتب على نفسه بمال معلوم، وخطة معلوم بين التجار وأهل البلد، ثم مات فجاء غريم يطلب المال من الورثة، وعرض خط الميت بحيث عرف الناس خطه، يحكم بذلك في تركته إن ثبت أنه خطه. وقد جرت العادة بين الناس بمثله حجة " (١)

ثم عَلَّقَ ابن عابدين على ذلك فقال: " اعلم أن هذا كله فيما يكتبه على نفسه – كما قيده بعض المتأخرين، وهو ظاهر – بخلاف ما يكتبه لنفسه، فإنه لو ادَّعاه بلسانه صريحًا لا يؤخذ خصمه به، فكيف إذا كتبه!! ولذلك قيده في " الخزانة " بقوله: كَتَبَ على نفسه " (٢) .

وجاء في " قرة عيون الأخيار ": " وكذلك ما يكتب الناس فيما بينهم على أنفسهم في دفاترهم المحفوظة عندهم بخطهم المعلوم بين التجار وأهل البلد، فهو حجة عليهم ولو بعد موتهم " (٣) .

ويلاحظ في هذه المسألة: أن الفقهاء قيَّدوا ذلك الحكم بأن ترد الكتابة في دفاتر التجار المعتد بها. أما الدفاتر التي لا يعتدون بها، فلا تعتبر قيودها حجة على أصحابها، لاحتمال ورود التزوير فيها. وأن تكون الكتابة بخط التاجر في دفتره المحفوظ عنده، لنفي شبهة التلاعب فيها.

قال ابن عابدين في " رد المحتار " ويجب تقييده أيضًا بما إذا كان دفتره محفوظًا عنده. فلو كانت كتابته فيما عليه في دفتر خصمه، فالظاهرة أنه لا يعمل به، لأن الخط مما يزور، وكذا لو كان له كاتب، والدفتر عند الكاتب، لاحتمال كون الكاتب كتب ذلك عليه بلا علمه، فلا يكون حجة عليه إذا أنكره، أو أظهر ذلك بعد موته وأنكرته الورثة (٤) .

وضابط المسألة ما حرَّرَهُ ابن عابدين في رسالته " نشر العرف في بناء بعض الأحكام على " العُرف " حيث قال: " فالحاصل أن المدار على انتفاء الشبهة ظاهر. وعليه؛ فما يوجد في دفاتر التجار في زماننا إذا مات أحدهم، وقد كتب بخطه ما عليه في دفتره – الذي يقرب من اليقين أنه لا يكتب فيه على سبيل التجربة والهزل – يعمل به، والعرف جار بينهم بذلك. فلو لم يعمل به، يلزم ضياع أموال الناس، إذ غالب بياعاتهم بلا شهود، خصوصًا ما يرسلونه إلى شركائهم وأمنائهم في البلاد، لتعذر الإشهاد في مثله، فيكتفون بالمكتوب في كتاب أو دفتر، ويجعلونه فيما بينهم حجة عند تحقق الخط أو الختم " (٥) .


(١) رد المحتار: ٤/٣٥٣؛ورسائل ابن عابدين (نشر العرف) : ٢/١٤٣؛ وقرة عيون الأخيار: ١/٥٩. .
(٢) رد المحتار: ٤/٣٥٤.
(٣) قرة عيون الأخيار: ٢/٩٧.
(٤) رد المحتار: ٤/٣٥٤.
(٥) رسائل ابن عابدين: ٢/١٤٤؛ وانظر: قرة عيون الأخيار: ١/٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>