للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأو في قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (١) الآية، إنما هو التعقيب (٢) فتأويله: إن الذي يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادا لن يخلو من أن يستحق الجزاء بإحدى هذه الخلال الأربع التي ذكرها الله - عز ذكره - لا أن الإمام محكم فيه ومخير في أمره كائنة ما كانت حالته، عظمت جريرته أو خفت؛ لأن ذلك لو كان كذلك لكان للإمام قتل من شهر السلاح مخيفا السبيل وصلبه وإن لم يأخذ مالا ولا قتل أحدا، وكان له نفي من قتل وأخذ المال وأخاف السبيل، وذلك قول إن قاله قائل خلاف ما صحت به الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خلال: رجل قتل رجلا فقتل، أو زنى بعد إحصان فرجم، أو ارتد عن دينه (٣)»، وخلاف قوله: «القطع في ربع دينار فصاعدا (٤)»، وغير المعروف من أحكامه.

فإن قال قائل: فإن هذه الأحكام التي ذكرت كانت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير المحارب، وللمحارب حكم غير ذلك منفرد به، قيل له: الحكم الذي انفرد به المحارب في سننه فإن ادعى عنه - صلى الله عليه وسلم - حكما خلاف الذي ذكرنا أكذبه جميع أهل العلم لأن ذلك غير موجود بنقل واحد ولا جماعة (٥)، وإن زعم أن ذلك الحكم هو ما في ظاهر الكتاب قيل له: فإن أحسن حالاتك أن يسلم لك أن ظاهر الآية قد يحتمل ما قلت، وما قاله من خالفك فما رهانك على أن تأويلك أولى بتأويل الآية من تأويله؟ وبعد: فإذا كان الإمام مخيرا في الحكم على المحارب من أجل أن " أو " بمعنى التخيير في هذا الموضع عندك، أفله أن يصلبه حيا ويتركه على الخشبة مصلوبا حتى يموت من غير قتله؟

فإن قال ذلك له خالف في ذلك الأمة، وإن زعم أن ذلك ليس له، وإنما له قتله ثم صلبه، أو صلبه ثم قتله، ترك علته من أن الإمام إنما كان له الخيار في الحكم. على المحارب من أجل أن " أو " تأتي بمعنى التخيير، وقيل له: فكيف كان له الخيار في القتل أو النفي أو القطع، ولم يكن له الخيار في الصلب وحده حتى تجمع إليه عقوبة أخرى، وقيل له هل بينك وبين من جعل الخيار حيث أبيت وأبى ذلك حيث جعلته له فرق من أصل أو قياس، فلن يقول في


(١) سورة المائدة الآية ٣٣
(٢) سيأتي الجواب عنه في كلام أبى بكر بن العربي ص .. إن شاء الله تعالى
(٣) سنن الترمذي كتاب الفتن (٢١٥٨)، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠١٩)، سنن أبو داود الديات (٤٥٠٢)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٣٣)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٦٢)، سنن الدارمي الحدود (٢٢٩٧).
(٤) صحيح البخاري الحدود (٦٧٨٩)، صحيح مسلم الحدود (١٦٨٤)، سنن الترمذي الحدود (١٤٤٥)، سنن النسائي قطع السارق (٤٩٢٥)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٨٤)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٨٥)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٠٤)، موطأ مالك الحدود (١٥٧٦)، سنن الدارمي الحدود (٢٣٠٠).
(٥) غير مسلم لما تقدم ممن ذكر الخلاف