وقد كان المأمون الذي افتتحت في أيامه، وهو عبد الله المأمون بن هارون الرشيد، ممن عُني بالفلسفة، وعلوم الأوائل، ومهر فيها، واجتمع عليه جمع من علمائها، فجرّه ذلك إلى القول بخلق القرآن.
قال: وذكر المؤرّخون أنه كان بارعاً في الفقه، والعربية، وأيام الناس، وكان ذا حزمٍ، وحُكم، وعلم، ودهاء، وهيبة وذكاء، وسماحة، وفطنة، وفصاحة، ودين.
قيل: ختم في رمضان ثلاثًا وثلاثين ختمة، وصعد في يوم منبرًا، وحدّث، فأورد بسنده نحوًا من ثلاثين حديثًا، بحضور القاضي يحيى بن أكثم، ثم قال له: يا يحيى! كيف رأيت مجلسنا؟ فقال: أجلّ مجلس يفقه الخاصّة والعامّة.
فقال: ما رأيت له حلاوة، إنما المجالس لأصحاب الخلقان والمحابر.
وقيل: تقدّم إليه رجل غريب، بيده محبرة، قال: يا أمير المؤمنين! صاحب حديث، منقطع به السبيل.
فقال: ما تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر شيئًا.
قيل: فما زال المأمون يقول: حدّثنا هُشيم، وحدّثنا يحيى، وحدّثنا حجّاج، حتى ذكر الباب.
ثم سأله عن باب آخر، فلم يذكر فيه شيئًا.
قيل: فقال المأمون: حدّثنا فلان، وحدّثنا فلان، إلى أن قال لأصحابه: يطلب أحدُهم الحديث ثلاثة أيام، ثم يقول: أنا من أصحاب الحديث! أعطوه ثلاثة دراهم.
قال: وكان المأمون من الكرم بمكان مكين، بحيث إنه فرق في ساعة ستة وعشرين ألف ألف درهم، وحكايات مكارمه تستوعب الأوراق، وإنما