للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

١٨٤٤ - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «إِنَّ أُنَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: " مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

١٨٤٤ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: إِنَّ أُنَاسًا) وَفِي نُسْخَةٍ بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ أَيْ جَمَاعَةً (مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ شَيْئًا (فَأَعْطَاهُمْ) أَيْ إِيَّاهُ (ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ فَنِيَ (مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: " مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ ") أَيْ مَالٍ، وَ " مِنْ " بَيَانٌ لِـ " مَا "، وَمَا خَبَرِيَّةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِلشَّرْطِ أَيْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ مَوْجُودٌ عِنْدِي أُعْطِيكُمْ " فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ " وَلَمْ أَمْنَعْهُ مِنْكُمْ " وَمَنْ يَسْتَعِفَّ " وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْفَكِّ أَيْ: مَنْ يَطْلُبْ مِنْ نَفْسِهِ الْعِفَّةَ عَنِ السُّؤَالِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَوْ يَطْلُبِ الْعِفَّةَ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَيْسَ السِّينُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ حَجَرٍ " يُعِفَّهُ اللَّهُ " أَيْ يَجْعَلْهُ عَفِيفًا مِنَ الْإِعْفَافِ وَهُوَ إِعْطَاءُ الْعِفَّةِ وَهِيَ الْحِفْظُ عَنِ الْمَنَاهِي، يَعْنِي مَنْ قَنِعَ بِأَدْنَى قُوتٍ وَتَرَكَ السُّؤَالَ تَسْهُلُ عَلَيْهِ الْقَنَاعَةُ وَهِيَ كَنْزٌ لَا يَفْنَى " وَمَنْ يَسْتَغْنِ " أَيْ يُظْهِرْ الْغِنَى بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَالتَّعَفُّفِ عَنِ السُّؤَالِ حَتَّى يَحْسَبَهُ الْجَاهِلُ غَنِيًّا مِنَ التَّعَفُّفِ " يُغْنِهِ اللَّهُ " أَيْ يَجْعَلْهُ غَنِيًّا أَيْ بِالْقَلْبِ، فَفِي الْحَدِيثِ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» " وَمَنْ يَتَصَبَّرْ " أَيْ يَطْلُبْ تَوْفِيقَ الصَّبْرِ مِنَ اللَّهِ لِأَنَّهُ قَالَ - تَعَالَى - {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٧] أَوْ يَأْمُرْ نَفْسَهُ بِالصَّبْرِ وَيَتَكَلَّفْ فِي التَّحَمُّلِ عَنْ مَشَاقِّهِ، وَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، لِأَنَّ الصَّبْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى صَبْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْبَلِيَّةِ، أَوْ مَنْ يَتَصَبَّرْ عَنِ السُّؤَالِ وَالتَّطَلُّعِ إِلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ بِأَنْ يَتَجَرَّعَ مَرَارَةَ ذَلِكَ، وَلَا يَشْكُوَ حَالَهُ لِغَيْرِ رَبِّهِ (يُصَبِّرْهُ اللَّهُ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ: يُسَهِّلْ عَلَيْهِ الصَّبْرَ فَتَكُونُ الْجُمَلُ مُؤَكِّدَاتٍ وَيَزِيدُ إِرَادَةَ مَعْنَى الْعُمُومِ قَوْلُهُ (وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً) أَيْ: مُعْطًى أَوْ شَيْئًا (هُوَ خَيْرٌ) أَيْ: أَفْضَلُ لِاحْتِيَاجِ السَّائِلِ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْمَقَامَاتِ (وَأَوْسَعُ) أَيْ: أَشْرَحُ لِلصَّدْرِ (مِنَ الصَّبْرِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ مَقَامَ الصَّبْرِ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ بِمَا لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِمَكَارِمِ الصِّفَاتِ وَالْحَالَاتِ، وَلِذَا قُدِّمَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: ٤٥] وَمَعْنَى كَوْنِهِ أَوْسَعَ أَنَّهُ تَتَّسِعُ بِهِ الْمَعَارِفُ وَالْمَشَاهِدُ وَالْأَعْمَالُ وَالْمَقَاصِدُ، فَإِنْ قِيلَ: الرِّضَا أَفْضَلُ مِنْهُ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، أُجِيبُ: بِأَنَّهُ غَايَتُهُ الَّتِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ إِلَّا مَعَهَا فَلَيْسَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ، كَمَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: ٤٤] إِذِ الْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّهِ، وَنَحْوُهُ مَا يَكُونُ مَعَهُ رِضًا، وَإِلَّا فَهُوَ مَقَامٌ نَاقِصٌ جِدًّا، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَالَ - تَعَالَى - {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: ٣٥] وَ {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: ٤٨] وَ {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٧] قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ (خَيْرٌ) أَيْ: هُوَ خَيْرٌ، كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ (خَيْرًا) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ عَطَاءٍ، وَقَالَ مِيرَكُ: كَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ الْحَاضِرَةِ، وَوَقَعَ فِي نُسَخِ مُسْلِمٍ: " مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرٌ " بِلَا لَفْظِ هُوَ وَهُوَ مُقَدَّرٌ، وَفِي رِوَايَةٍ " خَيْرًا " بِالنَّصْبِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ، فَفِي قَوْلِ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. تَسَاهُلٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>