أَبُو النَّجِيبِ السُّهْرَوَرْدِيُّ فِي آدَابِ الْمُرِيدِينَ: وَأَجْمَعُوا أَيِ الصُّوفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْفَقْرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغِنَى إِذَا كَانَ مَقْرُونًا بِالرِّضَا، فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى» "، وَقَالَ: الْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُعْطِيَةُ وَالْيَدُ السُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ قِيلَ لَهُ: الْيَدُ الْعُلْيَا تَنَالُهَا الْفَضِيلَةُ بِإِخْرَاجِ مَا فِيهَا، وَالْيَدُ السُّفْلَى تَنَالُهَا الْمَنْقَصَةُ بِحُصُولِ الشَّيْءِ فِيهَا اهـ وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْغَنِيَّ بِإِعْطَاءِ بَعْضِ الْمَالِ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بِاخْتِيَارِ الْفَقْرِ، وَالْفَقِيرَ بِأَخْذِ بَعْضِ الْمَالِ مَالَ إِلَى الْغِنَى فَتَنْقُصُ حَالُهُ وَيُخْشَى مَآلُهُ، وَفِي هَذَا مُبَالَغَةٌ عَظِيمَةٌ وَدَلَالَةٌ جَسِيمَةٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ عَلَى الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ حَالُ السَّائِلِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَكَيْفَ حَالُ الْمُتَعَفِّفِ وَالْآخِذِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّائِلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا، وَأَمَّا إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْحَالُ فَانْقَلَبَ الْمِثَالُ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ أَعْنِي خَوَاجَةَ عُبَيْدَ اللَّهِ السَّمَرْقَنْدِيَّ - قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ - لَمَّا سُئِلَ: الْفَقِيرُ الصَّابِرُ أَفْضَلُ أَمِ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ؟ فَقَالَ: بَلِ الْفَقِيرُ الشَّاكِرُ، وَهُوَ إِمَّا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ أَوِ الشِّكَايَةَ الضَّرُورِيَّةَ أَوِ الْإِشَارَةَ إِلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - حِكَايَةً {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: ٨٦] وَاللَّهُ أَعْلَمُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute