للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الاستدلال من قوله: (احتجم وهو محرم صائم) على النسخ، فلا يصح كذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحرم بعمرة الحديبية سنة ست، وأحرم من العامل القابل بعمرة القضية، وكان ذلك قبل سنة ثمان، ثم دخل مكة ولم يكن محرماً، ثم اعتمر من الجعرانة، ثم حج حجة الوداع، فاحتجامه وهو صائم لم يبين في أي إحراماته كان، وإنما يمكن دعوى النسخ إذا كان ذلك وقع في حجة الوداع، أو عمرة الجعرانة حتى يتأخر ذلك عن عام الفتح الذي بين فيه الفطر بالحجامة، ولا يوجد ما يدل على أن ذلك كان في حجة الوداع أو عمرة الجعرانة حتى يصح الاستدلال منه على النسخ.

وكون ابن عباس -رضي الله عنه- أنه روى ذلك، وهو لم يصحب النبي -صلى الله عليه وسلم- محرماً إلا في حجة الوداع، لا يدل على كون ذلك في حجة الوداع؛ لأن ابن عباس -رضي الله عنه- لم يقل أنه شهد ذلك أو رآه، فيمكن أن يكون أخذه عن أحد من الصحابة؛ فإن أكثر روايات ابن عباس -رضي الله عنه- إنما أخذها عن الصحابة-رضي الله عنهم- (١).

وأجيب عنه: بأن الأصل في رواية ابن عباس -رضي الله عنه-، هو كونه أنه شهد ذلك بنفسه، فإن قوله: (احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم- في رأسه وهو محرم، من وجعٍ كان به، بماء يقال له: لحيُ جملٍ). مع قوله: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم فيما بين مكة والمدينة، وهو محرم صائم) يؤكد ذلك؛ ثم هو لم يكن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لا في عمرة الحديبية، ولا في عمرة القضاء، وإذا كان ذلك


(١) انظر: مجموع الفتاوى ٢٥/ ٢٥٤؛ تهذيب سنن أبي داود ٣/ ٢٤٩ - ٢٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>