للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقاً (١) فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكَنَا بِهذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذلِكَ مِرَاراً (٢) وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذاً لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ؛ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ لَا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ: ﴿رَّبَّنَآ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾، حَتَّى بَلَغَ يَشْكُرُونَ؛ وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى (٣) فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَ أَحَداً فَلَمْ تَرَى أَحَداً فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ


= فوهبتها سارة لإبراهيم فولدت له إسماعيل فغارت منها سارة وحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء، فقال إبراهيم لسارة: اثقبي أذنيها فتمنطقت بالحزام وجرت ذيلها وهي تعمل في البيت إشعارا بأنها خادمة لسارة لعله يزول ما عندها وتتركها. وقوله لتعفي أثرها أي لتمحوه عن سارة بظهورها بمظهر الخادم لتستميل خاطرها وتخفف منها الحقد والغيرة ولكنه لم يزل فأخذها إبراهيم وولدها إسماعيل الرضيع حتى وضعهما عند البيت قبل بنائه تحت دوحة أي شجرة كبيرة ولم يكن هناك أحد ولا بنيت مكة المكرمة ثم عاد إلى بلده.
(١) أي رجع إلى وطنه ببيت المقدس الذي فيه سارة.
(٢) قالت له ذلك مرارا. وفي رواية: نادته ثلاثا فأجابها في الثالثة، فقالت له: من أمرك بهذا؟ قال: الله. قالت: حسبى الله، وقوله عند الثنية أي التي بأعلى مكة في طريق منى وعرفات، وقوله عند بيتك المحرم فيه أنه كان يعلم أن البيت الحرام هنا وأزاله عن وجه الأرض الطوفان، والمحرم الذي يحرم عنده ما لا يحرم عند غيره وهو حرام من يوم خلق الله السموات والأرض ومحفوف بسبعة من الملائكة، وتمام الآية ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ وهذه الآية في سورة إبراهيم .
(٣) فلما فرغ الماء عطشت فانقطع لبنها فعطش إسماعيل وصار يتلوى أي يتقلب من العطش. وفي رواية: يتلبط أي يتمرغ ويضرب في الأرض. وفي أخرى: يتلمظ أي يخرج لسانه فيبل به شفتيه وكان سنه حينئذ سنتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>