للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: حق لي، فإنما أنزل القرآن عليَّ بلسان عربي مبين. وقال الخطابي: اعلم أن الله لما وضع رسوله موضع البلاغ من وحيه، ونصبه منصب البيان لدينه، اختار له من اللغات أعربها، ومن الألسن أفصحها وأبينها، ثم أمده بجوامع الكلم. قال: ومن فصاحته أنه تكلم بألفاظ اقتضبها لم تسمع من العرب قبله، ولم توجد في متقدم كلامها، كقوله: "مات حتف أنفه، وحمي الوطيس ... إلخ"١. وفي حديث "عمر" إن صح: "ولم تخرج من بين أظهرنا"٢ صراحة بتعجب عمر من هذه الفصاحة التي كانت للرسول مع أنه لم يخرج من بين أظهرهم، أي: من مكة، ولو كان لسان قريش أفصح الألسنة لما قال عمر للرسول قوله المذكور، الذي يدل على أن الفصاحة في خارج قريش، وعند الأعراب. وفي جواب الرسول على الرجل من قوله: "حق لي، فإنما أنزل القرآن علي بلسان عربي مبين" ٣، -إن صح هذا الحديث- تفنيدًا لقول القائلين بنزوله بلغة قريش، ولو كان قد نزل بلغتهم لقال: "بلسان قرشي مبين" ولم يقل أحد من العلماء: إن اللسان العربي، هو لسان قريش، بل نجدهم يقولون دائمًا: لسان قريش، ولغة قريش ونزل بلسان قريش، ويذكرون هذا اللسان مع الألسنة الأخرى، مثل لسان تميم، وهذيل، وبني سعد بن بكر.

وأما ما قالوه من أن الوفود اليمنية التي وفدت على الرسول، لم تجد صعوبة في التفاهم معه، وأن الرسول حين أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن ليعظهم ويعلمهم ما وجد صعوبة في التفاهم معهم، وأنهم لو لم يكونوا يعرفون العربية الفصحى، لكان إرسال هؤلاء الدعاة عبثًا، "وكل هذه دلائل تدل على أن حركة تعريب واسعة في الجنوب حدثت قبيل الإسلام"٤، فيعارضه ما ذكروه من أنه "حين جاءته وفود العرب، فكان يخاطبهم جميعًا على اختلاف شعوبهم وقبائلهم وتباين بطونهم وأفخاذهم، وعلى ما في لغاتهم من اختلاف الأوضاع وتفاوت الدلالات في المعاني اللغوية، على حين أن أصحابه -رضوان الله عليهم- ومن يفد عليه من


١ المزهر "١/ ٢٠٩".
٢ المزهر "١/ ٣٥".
٣ المزهر "١/ ٣٥".
٤ شوقي ضيف، العصر الجاهلي "١٢٢ وما بعدها"

<<  <  ج: ص:  >  >>