للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول بزمن، وقبل ظهور الإسلام. وهو مقبول عندهم، ودليل ذلك تسطيره في كتبهم وروايتهم له.

ولو تجوزنا وقبلنا بالحديث، واعتبرناه حديثًا صحيحًا، فإننا لا نستطيع مع ذلك أن نفهم منه ما فهموه هم من أنه عني أن قريشًا أفصح العرب، وأنه صار أفصح العرب، من أجل أنه من قريش، لأن معنى "بَيْد" على تفسير علماء العربية هو: "غير" و"على"، والأول أعلى. "يقال: رجل كثير المال، بيد أنه بخيل. معناه غير أنه بخيل"١، ولو أخذنا بالتفسيرين المذكورين قلنا: يجب أن يكون معنى الحديث على هذا النحو: "أنا أفصح العرب، غير أني من قريش، وأني نشأت في بني سعد"، أو "أنا أفصح العرب، على أني من قريش، وأني نشأت في بني سعد"، ومعناه بعبارة مبسطة أنا أفصح العرب، وإن كنت من قوم منهم، هم قريش، لهم لسانهم، وقد نشأت في بني سعد. وقريش كما نعلم بعض العرب، لا كل العرب. وليس في هذا المعنى أية دلالة على تخصيص قريش بالفصاحة، وعلى أن لسانها أفصح الألسنة. وكل ما فيه إشادة بفصاحة الرسول وحده، وإفادة بأنه أفصح العرب، فلا أحد أفصح وأنطق منه، فهو حديث يفيد التخصيص لا التعميم، وهو خاص بفصاحة الرسول.

وهو لذلك لا يمكن أن يكون حجة على تفضيل لسان قريش على الألسنة الأخرى، ولأجل تحويله إلى حجة فسّروا لفظة "بيد" تفسيرًا جعل الفصاحة للرسول ولقومه فقالوا: "ويأتي بيد بمعنى: من أجل. ذكره ابن هشام"٢، فصار معنى الحديث: "أنا أفصح العرب، من أجل أني من قريش، وأني نشأت في بني سعد بن بكر". فالرسول وفق تفسيرهم هذا، أفصح العرب من أجل أنه من قريش، ففصاحته مستمدة منهم ومن "بني سعد بن بكر"، وصارت قريش في نظرهم أفصح العرب لسانًا، وأصفاهم لغة. مع أنهم يذكرون فيما يذكرون عن كلام الرسول، أن "عمر بن الخطاب" قال للرسول يومًا: "يا رسول الله، ما لك أفصحنا ولم تخرج من ظهورنا ... "٣، وأن رجلًا آخر سأله بقوله: "يا رسول الله، ما أفصحك! فما رأينا الذي هو أعرب منك.


١ تاج العروس "٢/ ٣٠٨"، "باد".
٢ تاج العروس "٢/ ٣٠٨"، "باد".
٣ المزهر "١/ ٢٠٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>