للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن علماء العربية، حين يبحثون في النحو أو في الصرف، أو في مفردات اللغة عن الغريب والشاذ، يذكرون فيما يذكرون لغة قريش، ولغة أهل الحجاز، فيقولون: "لغة قريش"١، و"بلغة قريش"، كما يقولون: "لغة تميم"، ولغة طيء، ولغة يمانية، ولغة أسد، وغير ذلك. ولكنهم يقولون أيضًا:

"يقول أهل الحجاز: قَتَر يَقْتِر، ولغة فيها أخرى يقتُر بضم التاء، وهي أقل اللغات"٢، وجاء: "وفي أمالي القالي: لغة الحجاز ذَأي البقْل يذأى، وأهل نجد يقولون: ذوي يذوي"٣ إلى غير ذلك، وفي ذكرهم لغة قريش ولغة أهل الحجاز، مع اللغات الأخرى في مثل هذه المواضع دلالة بينة على أن العربية الفصحى ليست عربية قريش، وإنما عربية أخرى، هي العربية التي نص عليها في القرآن، أي: العربية التي نزل بها الوحي، وإلا كان من السخف ذكر لغة قريش، حين الإشارة إلى الغريب والشاذ ومواضع الاختلاف.

وأما استشهادهم بحديث: "أنا أفصح العرب، بيد أني من قريش" أو "أنا أفصح العرب، بيد أني من قريش، وأني نشأت في بني سعد"، أو "أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش"٤، لإثبات أن قريشًا كانوا أفصح العرب، بل أصل الفصاحة، فالحديث من الأحاديث، الغريبة الضعيفة، رواه أصحاب الغريب، كما نص على ذلك العلماء٥، فهو لا يفيد حكمًا علميًّا لضعفه هذا، ولا يصلح أن يكون أساسًا لاستشهاد. وقد يكون من موضوعات العصبية العدنانية القحطانية، وقد يكون من الأحاديث التي رويت من باب الإشادة بقريش لكونهم قوم الرسول، وبالإشادة بذكرهم وتعظيمهم في كل شيء وجعل لسانهم أفصح الألسنة خدمة في رأيهم للإسلام وللرسول وللقرآن الكريم. وليس هذا بشيء غريب، فقد عهدنا أهل الأخبار يروون شعرًا ونثرًا على ألسنة التبابعة والأقوام الماضية بل والجن والكهان في الحث على الإيمان بالرسول، قبل ميلاد


١ تاج العروس "٩/ ١٧٤"، "حزن"، المزهر "١/ ٢١٥".
٢ المزهر "١/ ٢١٥ وما بعدها".
٣ المزهر "١/ ٢١٥".
٤ المزهر "١/ ٢٠٩ وما بعدها"، مجالس ثعلب "١١"، "عبد السلام محمد هارون"، وورد "مَيْدَ أني"، "من أجل أني"، أنا أفصح العرب، "تربيت في أخوالي بني سعد، بيد أني من قريش".
٥ المزهر "١/ ٢٠٩ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>